صفحة جزء
1603 باب: فمن تمتع بالعمرة إلى الحج فما استيسر من الهدي فمن لم يجد فصيام ثلاثة أيام في الحج وسبعة إذا رجعتم تلك عشرة كاملة ذلك لمن لم يكن أهله حاضري المسجد الحرام


أي: هذا باب يذكر فيه قوله تعالى: فمن تمتع بالعمرة إلى الحج إلى آخر الآية، هكذا وقع قوله: فمن تمتع إلى حاضري المسجد الحرام في رواية أبي ذر وأبي الوقت، ووقع في طريق كريمة ما بين قوله: الهدي وقوله: حاضري المسجد الحرام وقال بعضهم: وغرض البخاري بذلك تفسير الهدي؛ وذلك أنه لما انتهى في صفة الحج إلى الوصول إلى منى، أراد أن يذكر أحكام الهدي والنحر؛ لأن ذلك يكون غالبا بمنى، انتهى.

قلت: حصره على هذا الغرض وحده لا وجه له، بل إنما ذكر هذه الآية الكريمة لاشتمالها على مسائل، منها: حكم الهدي والمتعة، وذكر في الباب حكمها فقط اكتفاء بما ذكر غيرهما من الأحكام في الأبواب السابقة.

أما المسائل التي تشتمل هذه الآية الكريمة عليها؛ فأولها: حكم التمتع بالعمرة إلى الحج، فقد ذكر في: باب التمتع والإقران، وباب: التمتع على عهد النبي - صلى الله عليه وسلم. الثانية: حكم الهدي، فذكره في حديث هذا الباب. الثالثة: حكم الصوم، فذكره أيضا في: باب قوله تعالى: ذلك لمن لم يكن أهله حاضري المسجد الحرام الرابعة: حكم حاضري المسجد الحرام، فذكره أيضا في: باب قول الله تعالى: ذلك لمن لم يكن أهله حاضري المسجد الحرام

وقد اختلف العلماء فيما استيسر من الهدي، فقالت طائفة: شاة، روي ذلك عن علي - رضي الله تعالى عنه- وابن عباس - رضي الله تعالى عنه- رواه عنهما مالك في موطئه وأخذ به، وقال به جمهور العلماء واحتج بقول الله تعالى: هديا بالغ الكعبة قال: وإنما يحكم به في الهدي شاة، وقد سماها الله تعالى هديا، وروي عن طاوس، عن ابن عباس ما يقتضي أن ما استيسر من الهدي في حق النبي بدنة، وفي حق غيره بقرة، وفي حق الفقير شاة. وعن ابن عمر وابن الزبير وعائشة رضي الله تعالى عنهم أنه من الإبل والبقر خاصة، وكأنهم ذهبوا إلى ذلك من أجل قوله تعالى: والبدن جعلناها لكم من شعائر الله فذهبوا إلى أن الهدي ما وقع عليه اسم بدن، ويرده قوله تعالى: فجزاء مثل ما قتل من النعم إلى قوله: هديا بالغ الكعبة وقد حكم المسلمون في الظبي بشاة، فوقع عليها اسم هدي، وقوله تعالى: فما استيسر من الهدي يحتمل أن يشير به إلى أقل أجناس الهدي، وهو الشاة، وإلى أقل صفات كل جنس، وهو ما روي عن ابن عمر: البدنة دون البدنة والبقرة دون البقرة، فهذا عنده أفضل من الشاة، ولا خلاف يعلم في ذلك، وإنما محل الخلاف أن الواجد للإبل والبقر هل يخرج شاة؟ فعند ابن عمر: يمنع إما تحريما، وإما كراهة، وعند غيره: نعم، وروي عن ابن عمر وأنس: يجزئ فيها شرك في دم، وروي عن عطاء وطاوس والحسن مثله، وهو قول أبي حنيفة، والثوري، والأوزاعي، والشافعي، وأحمد، وإسحاق، وأبي ثور، ولا تجزئ عندهم البدنة أو البقرة، عن أكثر من سبعة، ولا الشاة عن أكثر من واحد، وأما ما روي أنه - صلى الله عليه وسلم- ضحى بشاة عن أمته، فإنما كانت تطوعا، وعند المالكية: تجوز البدنة أو البقرة عن أكثر من سبعة إذا كانت ملكا لرجل واحد وضحى بها عن نفسه وأهله.

التالي السابق


الخدمات العلمية