صفحة جزء
1604 باب ركوب البدن؛ لقوله تعالى: والبدن جعلناها لكم من شعائر الله لكم فيها خير فاذكروا اسم الله عليها صواف فإذا وجبت جنوبها فكلوا منها وأطعموا القانع والمعتر كذلك سخرناها لكم لعلكم تشكرون لن ينال الله لحومها ولا دماؤها ولكن يناله التقوى منكم كذلك سخرها لكم لتكبروا الله على ما هداكم وبشر المحسنين


أي: هذا باب في بيان جواز ركوب البدن، واستدل على ذلك بقوله تعالى: والبدن جعلناها لكم إلى آخره، وهاتان الآيتان مذكورتان بتمامهما في رواية كريمة، وفي رواية أبي ذر وأبي الوقت المذكور منهما من قوله: والبدن جعلناها لكم إلى قوله: [ ص: 27 ] فإذا وجبت جنوبها فكلوا ثم المذكور بعد جنوبها إلى قوله: وبشر المحسنين وموضع الاستدلال في جواز ركوب البدن في قوله: لكم فيها خير يعني من الركوب والحلب لما روى ابن أبي حاتم وغيره بإسناد جيد عن إبراهيم النخعي لكم فيها خير من شاء ركب ومن شاء حلب ، وفي تفسير النسفي في قوله: لكم فيها خير من احتاج إلى ظهرها ركب، ومن احتاج إلى لبنها شرب، وقيل: في البدن خير، وهو النفع في الدنيا والأجر في الآخرة، ومن شأن الحاج أن يحرص على شيء فيه خير ومنافع، وعن بعض السلف أنه لم يملك إلا تسعة دنانير فاشترى بها بدنة، فقيل له في ذلك فقال: سمعت ربي يقول: لكم فيها خير

قوله: والبدن بضم الباء جمع بدنة، سميت بذلك لعظم بدنها، وهي الإبل العظام الضخام الأجسام، وهي من الإبل خاصة، وقرئ: " والبدن" بضمتين، كتمر في جمع تمرة، وعن ابن أبي إسحاق بضمتين وتشديد النون على لفظ الوقف، وقرئ "البدن" بالرفع والنصب كما في قوله: والقمر قدرناه قوله: من شعائر الله أي: من أعلام الشريعة التي شرعها وأضافها إلى اسمه تعظيما لها، قوله: لكم فيها أي: في البدن، قوله: فاذكروا اسم الله عليها عن ابن عباس رضي الله عنهما: ذكر اسم الله عليها أن يقول عند النحر: باسم الله والله أكبر، لا إله إلا الله والله أكبر، اللهم منك وإليك.

قوله: صواف أي: قائمات قد صففن أيديهن وأرجلهن، وقيل: أي: قياما على ثلاثة قوائم قد صفت رجليها وإحدى يديها ويدها اليسرى معقولة، وقرئ: "صوافن"، من صفون الفرس، وهو أن تقوم على ثلاث وتنصب الرابعة على طرف سنبكه؛ لأن البدنة تعقل إحدى يديها، فتقوم على ثلاث، وقرئ صوافي؛ أي: خوالص لوجه الله تعالى. وعن عمرو بن عبيد: صوافا، بالتنوين، عوضا عن حرف الإطلاق عند الوقف، وعن بعضهم: صواف، نحو مثل قول العرب: ... ... ... ... أعط القوس باريها، بسكون الياء.

قوله: فإذا وجبت قال الزمخشري: وجوب الجنوب: وقوعها على الأرض، من وجب الحائط وجبة؛ إذا سقط، ووجبت الشمس وجبة: غربت، والمعنى: فإذا وجبت جنوبها وسكنت نسائسها حل لكم الأكل منها والإطعام، وسيأتي تفسير القانع والمعتر. قوله: كذلك سخرناها لكم هذا من من الله تعالى على عباده بأن سخر لهم البدن مثل التسخير الذي رأوا وعلموا، يأخذونها منقادة للأخذ فيعقلونها طائعة ويحبسونها صافة قوائمها، ثم يطعنون في لباتها، ولولا تسخير الله تعالى لم تطق. قوله: لن ينال الله لحومها وذلك أن أهل الجاهلية كانوا إذا نحروا البدن لطخوا حيطان الكعبة بدمائها، فهم المسلمون مثل ذلك، فأنزل الله تعالى: لن ينال الله لحومها أي: لن يصل إلى الله تعالى لحومها المتصدق بها، ولا الدماء المهراقة بالنحر ولكن يناله التقوى منكم والمعنى: لن يرضي المضحون والمقربون ربهم إلا بمراعاة النية والإخلاص والاحتفاظ بشروط التقوى. قوله: كذلك سخرها لكم أي: سخر البدن وكرر تذكير النعمة بالتسخير، ثم قال: لتكبروا الله على ما هداكم يعني على هدايته إياكم لإعلام دينه ومناسك حجه بأن تكبروا وتهللوا، وضمن التكبير معنى الشكر وعدي تعديته، قوله: وبشر المحسنين الخطاب للنبي - صلى الله عليه وسلم- أمره بأن يبشر المحسنين الذين يعبدون الله تعالى كأنهم يرونه، فإن لم يروه فإنه يراهم بقبوله، وقيل: بالجنة.

التالي السابق


الخدمات العلمية