صفحة جزء
1647 315 - حدثنا موسى بن إسماعيل قال: حدثنا وهيب قال: حدثنا ابن طاوس، عن أبيه، عن ابن عباس رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم قيل له في الذبح والحلق والرمي والتقديم والتأخير، فقال: لا حرج.


مطابقته للترجمة ظاهرة؛ لأنها في التقديم والتأخير، والحديث كذلك فيهما.

(فإن قلت): قيد في الترجمة كونه ناسيا أو جاهلا وليس في الحديث ذلك.

(قلت): جاء في حديث عبد الله بن عمرو ذلك، وهو الذي ذكره في الباب الذي يليه بقوله: " فقال رجل: لم أشعر فحلقت قبل أن أذبح، قال: اذبح ولا حرج، فجاء آخر فقال: لم أشعر فنحرت قبل أن أرمي، قال: ارم ولا حرج.." الحديث. فإن قوله: "لم أشعر" يقتضي عدم الشعور وهو أعم من أن يكون بجهل أو بنسيان، فكأنه أشار إلى ذلك؛ لأن أصل الحديث واحد وإن كان المخرج متعددا.

ورجال الحديث المذكور قد ذكروا غير مرة، ووهيب، بالتصغير، هو ابن خالد البصري، وابن طاوس هو عبد الله بن طاوس.

وأخرجه مسلم في الحج أيضا عن محمد بن حاتم عن بهز بن أسد، وأخرجه النسائي فيه عن عمرو بن منصور عن المعلى بن أسد، كلاهما عن وهيب به.

قوله: " والتقديم" ؛ أي: تقديم بعض هذه الأشياء الثلاثة على بعض وتأخيرها عنه. قوله: " فقال" ؛ أي: قال النبي صلى الله تعالى عليه وسلم: " لا حرج"؛ أي: لا إثم [ ص: 72 ] فيه، وقال الطحاوي ما ملخصه أن هذا القول له احتمالان:

أحدهما: أنه يحتمل أن يكون صلى الله عليه وسلم أباح ذلك له توسعة وترفيها في حقه فيكون للحاج أن يقدم ما شاء ويؤخر ما شاء.

والآخر: أنه يحتمل أن يكون قوله صلى الله عليه وسلم: " لا حرج" معناه: لا إثم عليكم فيما فعلتموه من هذا لأنكم فعلتموه على الجهل منكم لا على القصد منكم خلاف السنة، وكانت السنة خلاف هذا، والحكم على الاحتمال الثاني وهو أنه صلى الله عليه وسلم أسقط عنهم الحرج وأعذرهم لأجل النسيان وعدم العلم، لا أنه أباح لهم ذاك حتى إن لهم أن يفعلوا ذلك في العمد، والدليل على ذلك ما رواه أبو سعيد الخدري، قال: سئل رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم وهو بين الجمرتين عن رجل حلق قبل أن يرمي، قال: لا حرج. وعن رجل ذبح قبل أن يرمي، قال: لا حرج. ثم قال: عباد الله، وضع الله عز وجل الضيق والحرج، وتعلموا مناسككم فإنها من دينكم.

فدل ذلك على أن الحرج الذي رفعه الله عز وجل عنهم إنما كان لجهلهم بأمر المناسك لا لغير ذلك؛ وذلك لأن السائلين كانوا أناسا أعرابا لا علم لهم بالمناسك، فأجابهم رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم بقوله: "لا حرج" يعني فيما فعلتم بالجهل، لا أنه أباح لهم ذلك فيما بعد، ونفي الحرج لا يستلزم نفي وجوب القضاء أو الفدية، فإذا كان كذلك فمن فعل ذلك فعليه دم، والله أعلم.

وقال بعضهم: وتعقب بأن وجوب الفدية يحتاج إلى دليل، ولو كان واجبا لبينه صلى الله عليه وسلم حينئذ؛ لأنه وقت الحاجة فلا يجوز تأخيره.

(قلت): الإثم دليل أقوى من قوله تعالى: " ولا تحلقوا رءوسكم حتى يبلغ الهدي محله " وبه احتج النخعي فقال: فمن حلق قبل الذبح أهراق دما . رواه ابن أبي شيبة عنه بسند صحيح، وقال هذا القائل: أجيب بأن المراد ببلوغ محله وصوله إلى الموضع الذي يحل ذبحه فيه، فقد حصل، وإنما يتم المراد أن لو قال: ولا تحلقوا حتى تنحروا. انتهى.

(قلت): ليس المراد الكلي مجرد البلوغ إلى المحل الذي يذبح فيه، بل المقصد الكلي الذبح؛ ولهذا لو بلغ ولم يذبح يجب عليه الفدية، وقال هذا القائل أيضا: واحتج الطحاوي أيضا بقول ابن عباس : من قدم شيئا من نسكه أو أخره فليهرق لذلك دما ، قال: وهو أحد من روى أن لا حرج، فدل على أن المراد بنفي الحرج نفي الإثم فقط، أجيب بأن الطريق بذلك إلى ابن عباس فيها ضعف، فإن ابن أبي شيبة أخرجها وفيها إبراهيم بن مهاجر، وفيه مقال. انتهى.

(قلت): لا نسلم ذلك؛ فإن إبراهيم بن مهاجر روى له مسلم، وفي الكمال: روى له الجماعة إلا البخاري، وروى عنه مثل الثوري وشعبة بن الحجاج والأعمش وآخرون، فلا اعتبار لذكر ابن الجوزي إياه في الضعفاء، ولئن سلمنا ما ادعاه هذا القائل في هذا الطريق، فقد رواه الطحاوي من طريق آخر ليس فيه كلام، فقال: حدثنا نصر بن مرزوق قال: حدثنا الخصيب قال: حدثنا وهيب، عن أيوب عن سعيد بن جبير عن ابن عباس مثله، وأخرجه ابن أبي شيبة عن جرير عن منصور عن سعيد بن جبير عن ابن عباس نحوه.

التالي السابق


الخدمات العلمية