صفحة جزء
1687 355 - حدثنا حسان بن حسان قال: حدثنا همام، عن قتادة قال: سألت أنسا رضي الله عنه كم اعتمر النبي صلى الله عليه وسلم؟ قال: أربع؛ عمرة الحديبية في ذي القعدة حيث صده المشركون، وعمرة من العام المقبل في ذي القعدة حيث صالحهم، وعمرة الجعرانة إذ قسم غنيمة ـ أراه ـ حنين. قلت: كم حج؟ قال: واحدة.


مطابقته للترجمة ظاهرة، وحسان بن حسان أبو علي البصري سكن مكة، وهو من أفراد البخاري، وقال: مات سنة ثلاث عشرة ومائتين، وهمام، بتشديد الميم، ابن يحيى بن دينار العوزي الشيباني البصري مات سنة ثلاث وستين ومائة.

وأخرجه أيضا عن أبي الوليد فيه، وفي الجهاد، وفي المغازي عن هدبة بن خالد، وأخرجه مسلم في الحج عن هدبة، وعن أبي موسى عن عبد الصمد، وأخرجه أبو داود فيه عن أبي الوليد وهدبة، وأخرجه الترمذي فيه عن إسحاق بن منصور، وقال: حسن صحيح.

قوله: أربع؛ أي الذي اعتمره أربع عمر. قوله: " عمرة الحديبية" ؛ أي: من الأربع عمرة الحديبية، وهي بضم الحاء المهملة وفتح الدال وسكون الياء، آخر الحروف، وكسر الباء الموحدة وفتح الياء آخر الحروف، وفي آخره هاء، وكثير من المحدثين يشددون هذه الياء، وقال ابن الأثير: هي قرية كبيرة من مكة سميت ببئر هناك، وقال الصغاني: الحديبية، بتخفيف الياء مثال: دويهية، بئر على مرحلة من مكة مما يلي المدينة، وقال الخطابي: سميت الحديبية بشجرة حدباء هناك.

قوله: " حيث صده" ؛ أي: منعه المشركون من دخول مكة، وهو في غزوة الحديبية، وكانت في ذي القعدة سنة ست بلا خلاف، نص على ذلك الزهري وآخرون.

قوله: " وعمرة الجعرانة" فيها لغتان؛ إحداهما: كسر الجيم وسكون العين المهملة وفتح الراء المخففة وبعد الألف نون، والثانية: كسر العين وتشديد الراء، وإلى التخفيف ذهب الأصمعي، وصوبه الخطابي، وقال في تصحيف المحدثين: إن هذا مما ثقلوه وهو مخفف، وحكى القاضي عن ابن المديني قال: أهل المدينة يثقلونه، وأهل العراق يخففونه، وهي [ ص: 114 ] ما بين الطائف ومكة، وهي إلى مكة أقرب.

قوله: " إذ قسم" ؛ أي: حين قسم غنيمة، و"غنيمة" منصوب بلا تنوين بلفظ "قسم"؛ لأنه مضاف في نفس الأمر إلى "حنين".

قوله: " أراه" بضم الهمزة؛ أي: أظنه، معترض بين المضاف والمضاف إليه، وكان الراوي طرأ عليه شك فأدخل لفظ "أراه" بين المضاف والمضاف إليه، وقد رواه مسلم عن هدبة عن همام بغير شك، فقال: حيث قسم غنائم حنين، ويوم حنين كانت غزوة هوازن، وحنين واد بينه وبين مكة ثلاثة أميال، وكانت في سنة ثمان، وهي سنة غزوة الفتح، وكانت غزوة هوازن بعد الفتح في خامس شوال.

(فإن قلت): سأل قتادة عن أنس: كم اعتمر النبي صلى الله عليه وسلم؟ فأجاب بقوله: أربع، وليس في حديثه إلا ذكر ثلاث.

(قلت): سقط من هذه الرواية، أعني رواية حسان المذكورة، ذكر العمرة الرابعة؛ ولهذا روى البخاري بعد رواية أبي الوليد، وفيها ذكر الرابعة، وهو قوله: " وعمرة مع حجته" على ما يأتي عن قريب إن شاء الله تعالى. وكذا أخرجه مسلم من طريق عبد الصمد عن هشام، فظهر بهذا أن التقصير فيه من حسان شيخ البخاري.

وقال الكرماني: (فإن قلت): أين الرابعة؟ (قلت): هي داخلة في الحج؛ لأن رسول الله صلى الله عليه وسلم إما متمتع أو قارن أو مفرد، وأفضل الأنواع الإفراد، ولا بد فيه من العمرة في تلك السنة، ورسول الله صلى الله عليه وسلم لا يترك الأفضل. انتهى. وقال بعضهم: وليس ما ادعى أنه الأفضل متفقا عليه بين العلماء، فكيف ينسب فعل ذلك إلى النبي صلى الله عليه وسلم. انتهى.

(قلت): ما ادعى الكرماني الأفضلية عند الجميع، وإنما مراده أن الإفراد أفضل مطلقا، بناء على زعمه ومعتقد إمامه، فلا يتوجه عليه الإنكار، ولكن ترديد الكرماني بقوله: "إما متمتع، أو قارن، أو مفرد" غير موجه؛ لأنهم وإن كانوا اختلفوا فيه، ولكن أكثرهم على أفضلية القران، وكيف لا وقد تظاهرت الروايات وتكاثرت عن قوم خصوصا عن أنس بأنه صلى الله تعالى عليه وآله وسلم دخل في العمرة والحج جميعا، وهو عين القران؟! فكان أفضل الأنواع القران، وقد قال ابن حزم: ستة عشر من الثقات اتفقوا على أنس على أن لفظ النبي صلى الله تعالى عليه وآله وسلم كان إهلالا بحجة وعمرة معا، وصرحوا عن أنس أنه سمع ذلك منه صلى الله تعالى عليه وآله وسلم، وهم: بكر بن عبد الله المزني، وأبو قلابة، وحميد الطويل، وأبو قزعة، وثابت البناني، وحميد بن هلال، ويحيى بن أبي إسحاق، وقتادة، وأبو أسماء، والحسن البصري، ومصعب بن سليم، ومصعب بن عبد الله بن الزبرقان، وسالم بن أبي الجعد، وأبو قدامة، وزيد بن أسلم، وعلي بن زيد، وقد أخرج الطحاوي عن تسعة منهم، وقد شرحنا جميع ذلك في شرحنا شرح معاني الآثار، فمن أراد الوقوف عليها فليرجع إليه، ومن جملة من أخرج منهم الطحاوي، رواية أبي أسماء عن أنس قال: حدثنا أبو أمية قال: حدثنا الحسن بن موسى، وابن نفيل قالا: حدثنا أبو خيثمة عن أبي إسحاق، عن أبي أسماء، عن أنس قال: خرجنا نصرخ بالحج، فلما قدمنا مكة أمرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم أن نجعلها عمرة، وقال: لو استقبلت من أمري ما استدبرت لجعلتها عمرة، ولكني سقت الهدي، وقرنت الحج والعمرة، وأخرجه النسائي وأحمد أيضا نحو رواية الطحاوي، فهذا مصرح بأنه صلى الله عليه وسلم ذكر بلفظ أنه كان قارنا، ووافق قوله فعله فدل قطعا أن القران أفضل، فكيف يدعي الكرماني وغيره ممن نحا نحوه بأن أفضل الأنواع الإفراد؟! وليس ما وراء عبادان قرية، والوقوف على حظ النفس مكابرة.

التالي السابق


الخدمات العلمية