صفحة جزء
1722 393 - (حدثنا إسحاق قال: حدثنا روح قال: حدثنا شبل عن ابن أبي نجيح عن مجاهد قال: حدثني عبد الرحمن بن أبي ليلى عن كعب بن عجرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم رآه وأنه يسقط على وجهه، فقال: أيؤذيك هوامك؟ قال: نعم، فأمره أن يحلق وهو بالحديبية، ولم يتبين لهم أنهم يحلون بها وهم على طمع أن يدخلوا مكة، فأنزل الله الفدية، فأمره رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يطعم فرقا بين ستة، أو يهدي شاة، أو يصوم ثلاثة أيام).


مطابقته للترجمة في قوله: (أو يهدي شاة)، وإسحاق، قال الكرماني: هو ابن منصور الكوسج، وقيل: هو ابن إبراهيم المعروف بابن راهويه، وروح هو ابن عبادة، وشبل، بكسر الشين المعجمة وسكون الباء الموحدة، ابن عباد المكي، وابن أبي نجيح هو عبد الله بن أبي نجيح المكي.

قوله: (رآه)؛ أي: رأى رسول الله صلى الله عليه وسلم كعب بن عجرة. قوله: (وأنه) الواو فيه للحال، والضمير فيه يرجع إلى القمل، والسياق يدل عليه، قاله الكرماني، وقال: إما يرجع إلى كعب كأن نفسه تسقط مبالغة في كثرة القمل وكثرة الوجع والأذى، وبعضهم جعل الضمير في "يسقط" راجعا إلى القمل، وأنه محذوف، وأكد كلامه بما ثبت كذلك في بعض الروايات، يعني: " وأن كعبا يسقط القمل على وجهه)، وله وجه حسن دل عليه ما رواه ابن خزيمة عن محمد بن معمر عن روح بلفظ: " رآه وقمله يسقط على وجهه"، وفي رواية الإسماعيلي من طريق أبي حذيفة عن شبل: " رأى قملا يتساقط على وجهه". قوله: (يسقط) كذا هو في رواية الأكثرين، وفي رواية ابن السكن وأبي ذر: " ليسقط" بزيادة لام التأكيد. قوله: (ولم يتبين لهم)؛ أي: لم يظهر لمن كانوا في الحديبية مع النبي صلى الله عليه وسلم بعد في ذلك الوقت أنهم يحلون بها؛ أي: بالحديبية لأنهم كانوا على طمع أن يدخلوا مكة، قيل: هذه الزيادة ذكرها الراوي لبيان أن الحلق كان لاستباحة محظور بسبب الأذى لا لقصد التحلل بالحصر. وقال ابن المنذر: فيه دليل أن من كان على رجاء من الوصول إلى البيت أن عليه أن يقيم حتى ييئس من الوصول إليه فيحل، واتفقوا على أن من ييئس من الوصول وجاز له أن يحل فتمادى على إحرامه ثم أمكنه أن يصل، أن عليه أن يمضي إلى البيت ليتم نسكه. قوله: (فأنزل الله الفدية)؛ قال عياض: ظاهره أن [ ص: 157 ] النزول بعد الحكم، وفي رواية عبد الله بن معقل أن النزول قبل الحكم، قال عياض: يحمل على أنه حكم عليه بالكفارة بوحي غير متلو ثم نزل القرآن ببيان ذلك. قوله: (أن يطعم فرقا بين ستة) قد مر تفسير الفرق عن قريب؛ أي: أمره أن يطعم من الطعام قدر فرق منه بين ستة مساكين. قوله: (أو يهدي شاة) أطلق على الفدية بالشاة اسم الهدي، وبه يرد على من منع ذلك.

(ذكر ما يستفاد منه) قد ذكرنا في أول أحاديث الباب أحكاما كثيرة من حديث كعب، ونذكر هنا ما لم نذكره هناك، فمن ذلك ما احتج به مالك في قوله: (ولم يتبين لهم...) إلى آخره، على وجوب الكفارة على المرأة تقول في رمضان: غدا حيضتي، وعلى الرجل يقول: غدا يوم حماي فيفطران ثم ينكشف الأمر بالحمى والحيض، كما قالا: إن عليهما الكفارة؛ لأن الذي كان في علم الله أنهم يحلون بالحديبية، لم يسقط عن كعب الكفارة التي وجبت عليه بالحلق قبل أن ينكشف الأمر.

ومنه أن قوله: (احلق) يحتمل الندب والإباحة. قال ابن التين: وهذا يدل على أن إزالة القمل عن الرأس ممنوعة ويجب به الفدية، وكذلك الجسد عند مالك، ثم قال: وقال الشافعي: أخذ القملة من الجسد مباح، وفي أخذها من الرأس الفدية لأجل ترفهه لا لأجل القملة. وقال صاحب التوضيح: وهذا غريب، فإن الشافعي قال: من قتل قملة تصدق بلقمة، وهو على وجه الاستحباب.

ومنه أن النسك هاهنا شاة، فلو تبرع بأكثر من هذا جاز، ومنه أن صوم ثلاثة أيام لا يجوز في أيام التشريق، وبه قال عطاء في رواية، وسعيد بن جبير، وطاوس، وإبراهيم النخعي، والثوري، والليث بن سعد، وأبو حنيفة، وأبو يوسف، ومحمد، وأحمد في رواية، وهو قول عمر بن الخطاب، وعبد الله بن عباس رضي الله تعالى عنهم، وقال أبو بكر الجصاص في أحكام القرآن: اختلف السلف فيمن لم يجد الهدي ولم يصم الأيام الثلاثة قبل يوم النحر، فقال عمر وابن عباس، وسعيد بن جبير، وإبراهيم، وطاوس: لا يجزيه إلا الهدي، وهو قول أبي حنيفة، وأبي يوسف، ومحمد. وقال ابن عمر وعائشة: يصوم أيام منى، وهو قول مالك، وقال علي بن أبي طالب: يصوم بعد أيام التشريق. وبه قال الشافعي.

ومنه أن السنة مبينة لمجمل الكتاب لإطلاق الفدية في القرآن وتقييدها بالسنة. ومنه تلطف الكبير بأصحابه وعنايته بأحوالهم وتفقده لهم، وإذا رأى ببعض أصحابه ضررا سأل عنه وأرشده إلى المخرج عنه.

ومنه أن بعض المالكية استنبطوا منه إيجاب الفدية على من تعمد حلق رأسه بغير عذر فإن إيجابها على المعذور من باب التنبيه بالأدنى على الأعلى، لكن لا يلزم من ذلك التسوية بين المعذور وغيره، ومن ثمة قال الشافعي وجمهور العلماء: لا يتخير العامد بل يلزمه الدم، وخالف في ذلك أكثر المالكية، واحتج لهم القرطبي بقوله في حديث كعب: " أو اذبح نسكا" قال: فهذا يدل على أنه ليس بهدي، قال: فعلى هذا يجوز أن يذبحها حيث شاء، ورد عليه بأنه لا دلالة فيه؛ إذ لا يلزم من تسميتها نسكا أو نسيكة أن لا تسمى هديا أو لا يعطى حكم الهدي، وقد وقع تسميتها هديا في هذا الباب حيث قال: " ويهدي شاة"، وفي رواية لمسلم: " واهد هديا"، وفي رواية للطبراني: " هل لك هدي؟ قلت: لا أجد"، وهذا يدل على أن ذلك من تصرف الرواة، ويؤيده قوله في رواية مسلم: " أو اذبح شاة".

التالي السابق


الخدمات العلمية