صفحة جزء
1797 6 - (حدثنا خالد بن مخلد قال: حدثنا سليمان بن بلال قال: حدثني أبو حازم، عن سهل) رضي الله عنه، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: إن في الجنة بابا يقال له: الريان، يدخل منه الصائمون يوم القيامة، لا يدخل منه أحد غيرهم، يقال: أين الصائمون، فيقومون لا يدخل منه أحد غيرهم، فإذا دخلوا أغلق فلم يدخل منه أحد).


مطابقته للترجمة ظاهرة، وخالد بن مخلد، بفتح الميم واللام وسكون الخاء المعجمة بينهما، البجلي الكوفي، أبو محمد، وسليمان بن بلال أبو أيوب، وأبو حازم، بالحاء المهملة والزاي، واسمه سلمة بن دينار، وسهل بن سعد الساعدي الأنصاري.

والحديث أخرجه مسلم أيضا في الحج عن أبي بكر بن أبي شيبة عن خالد بن مخلد به.

قوله: " إن في الجنة بابا" ؛ قيل: إنما قال: "في الجنة" ولم يقل: "للجنة"؛ ليشعر بأن في الباب المذكور من النعيم والراحة ما في الجنة، فيكون أبلغ في التشويق إليه. (قلت): وإنما لم يقل: "للجنة"؛ ليشعر أن باب الريان غير الأبواب الثمانية التي للجنة، وفي الجنة أيضا أبواب أخر غير الثمانية، منها: باب الصلاة، وباب الجهاد، وباب الصدقة، على ما يجيء في الحديث الآتي، وفي نوادر الأصول للحكيم الترمذي من أبواب الجنة باب محمد عليه الصلاة والسلام، وهو باب الرحمة، وهو باب التوبة، وهو منذ خلقه الله مفتوح لا يغلق، فإذا طلعت الشمس من مغربها أغلق فلم يفتح إلى يوم القيامة، وسائر الأبواب مقسومة على أعمال البر، باب الزكاة، باب الحج، باب العمرة، وعند عياض: باب الكاظمين الغيط، باب الراضين، الباب الأيمن الذي يدخل منه من لا حساب عليه، وفي كتاب الآجري عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: " إن في الجنة بابا يقال له: باب الضحى، فإذا كان يوم القيامة ينادي مناد: أين الذين كانوا يديمون على صلاة الضحى؟ هذا بابكم فادخلوا"، وفي الفردوس عن ابن عباس يرفعه: " للجنة باب يقال له: الفرح، لا يدخل منه إلا مفرح الصبيان"، وعند الترمذي: باب للذكر، وعند ابن بطال: باب الصابرين، وذكر البرقي في كتاب الروضة عن أحمد بن حنبل: حدثنا روح، حدثنا أشعث عن الحسن قال: " إن لله بابا في الجنة لا يدخله إلا من عفا عن مظلمة"، وفي كتاب التخبير للقشيري عن النبي صلى الله عليه وسلم: " الخلق الحسن طوق من رضوان الله في عنق صاحبه، والطوق مشدود إلى سلسلة من الرحمة، والسلسلة مشدودة إلى حلقة من باب الجنة، حيث ما ذهب الخلق الحسن جرته السلسلة إلى نفسها حتى يدخله من ذاك الباب إلى الجنة".

فهذه الأبواب كلها داخلة في داخل الأبواب الثمانية الكبار التي ما بين مصراعي باب منها مسيرة خمسمائة عام. (فإن قلت): روى الجوزقي في هذا الحديث من طريق أبي غسان عن أبي حازم بلفظ: " إن للجنة ثمانية أبواب منها باب يسمى الريان لا يدخله إلا الصائمون". (قلت): روى البخاري هذا من هذا الوجه في بدء الخلق لكن قال: " في الجنة ثمانية أبواب " وهذا أصح وأصوب. قوله: " فإذا دخلوا أغلق" على صيغة المجهول من الإغلاق، قال الجوهري: أغلقت الباب فهو مغلق، والاسم الغلق، ويقال: غلقت الباب غلقا، [ ص: 263 ] وهي لغة رديئة متروكة، وغلقت الأبواب، شدد للكثرة، وقال الكرماني: غلق، مخففا ومشددا، هو من باب الإغلاق: (قلت): هذا تخليط في اللغة حيث يذكر أولا أنه من باب الثلاثي ثم يقول: هو من باب الإغلاق، والصواب ما ذكرناه. قوله: " فلم يدخل منه أحد" القياس: فلا يدخل؛ لأن "لم يدخل" للماضي، ولكنه عطف على قوله: " لا يدخل" فيكون في حكم المستقبل، وقال بعضهم: "فلم يدخل" فهو معطوف على "أغلق"؛ أي: لم يدخل منه غير من دخل. انتهى. (قلت): هذا أخذه من الكرماني؛ لأنه قال: هو عطف على الجزاء فهو في حكم المستقبل، ثم تفسيره بقوله: أي لم يدخل منه غير من دخل غير صحيح؛ لأن غير من دخل أعم من أن يكون من الصائمين وغيرهم، وليس المراد أن لا يدخل منه إلا الصائمون، وقول الكرماني أيضا: عطف على الجزاء، فيه نظر لا يخفى، وإنما كرر نفي دخول غيرهم منه للتأكيد، وأخرج مسلم هذا الحديث وقال: حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة قال: حدثنا خالد بن مخلد هو القطواني، عن سليمان بن بلال قال: حدثني أبو حازم عن سهل بن سعد قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " إن في الجنة بابا يقال له: الريان، يدخل منه الصائمون يوم القيامة لا يدخل منه أحد غيرهم، يقال: أين الصائمون فيدخلون منه، فإذا دخل آخرهم أغلق، فلم يدخل منه أحد"، وقال بعضهم: هكذا في بعض النسخ من مسلم، وفي الكثير منها: " فإذا دخل أولهم أغلق".

(قلت): الأمر بالعكس، ففي الكثير: " فإذا دخل آخرهم"، ووقع في بعض النسخ التي لا يعتمد عليها: " فإذا دخل أولهم" وهو غير صحيح؛ فلذلك قال شراح مسلم وغيرهم: إنه وهم. وقال شيخنا زين الدين رحمه الله تعالى: وقد استشكل بعضهم الجمع بين حديث باب الريان وبين الحديث الصحيح الذي أخرجه مسلم من حديث عمر عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: " ما منكم من أحد يتوضأ فيبلغ أو يسبغ الوضوء ثم يقول: أشهد أن لا إله إلا الله وأن محمدا عبده ورسوله إلا فتحت له أبواب الجنة الثمانية يدخل من أيها شاء"، قالوا: فقد أخبر النبي صلى الله عليه وسلم أنه يدخل من أيها شاء، وقد لا يكون فاعل هذا الفعل من أهل الصيام؛ بأن لا يبلغ وقت الصيام الواجب أو لا يتطوع بالصيام، والجواب عنه من وجهين؛ أحدهما: أنه يصرف عن أن يشاء باب الصيام فلا يشاء الدخول منه ويدخل من أي باب شاء غير الصيام فيكون قد دخل من الباب الذي شاءه، والثاني: أن حديث عمر رضي الله تعالى عنه قد اختلفت ألفاظه، فعند الترمذي: " فتحت له ثمانية أبواب من الجنة يدخل من أيها شاء"، فهذه الرواية تدل على أن أبواب الجنة أكثر من ثمانية منها، وقد لا يكون باب الصيام من هذه الثمانية ولا تعارض حينئذ.

التالي السابق


الخدمات العلمية