صفحة جزء
1807 (وقال صلة عن عمار: من صام يوم الشك فقد عصى أبا القاسم صلى الله عليه وسلم).


مطابقة هذا الأثر للترجمة من حيث إن مقتضى معناها أن لا يصام يوم الشك؛ لأنه صلى الله عليه وسلم علق الصوم برؤية الهلال، وهو هلال رمضان، فلا يصام اليوم الذي هو آخر شعبان إذا شك فيه هل هو من شعبان أو رمضان؟

وصلة - بكسر الصاد المهملة وفتح اللام المخففة- على وزن عدة، وقال بعضهم: على وزن عمر، وليس بصحيح، وهو ابن زفر، بضم الزاي وفتح الفاء المخففة وفي آخره راء، العبسي الكوفي، يكنى أبا بكر، ويقال: أبا العلاء، قال الواقدي: توفي في زمن مصعب بن الزبير، وهو من كبار التابعين وفضلائهم، وزعم ابن حزم أنه صلة بن أشيم، وهو وهم منه، وقد صرح بأنه صلة بن زفر جميع من روى هذا، وعمار هو ابن ياسر العبسي، أبو اليقظان، قتل بصفين، وقد وصل هذا التعليق أصحاب السنن الأربعة، فقال الترمذي: حدثنا عبد الله بن سعيد الأشج، حدثنا أبو خالد الأحمر عن عمرو بن قيس الملائي، عن أبي إسحاق، عن صلة بن زفر قال: كنا عند عمار بن ياسر ، فأتي بشاة مصلية، فقال: كلوا، فتنحى بعض القوم، فقال: إني صائم، فقال عمار: من صام اليوم الذي يشك فيه فقد عصى أبا القاسم صلى الله عليه وسلم "، ورواه النسائي عن الأشج، ورواه أبو داود وابن ماجه عن محمد بن عبد الله بن نمير عن أبي خالد الأحمر، وأخرجه أيضا ابن خزيمة، وابن حبان، والحاكم ، وقال: صحيح على شرطهما ولم يخرجاه.

ويوم الشك هو اليوم الذي يتحدث الناس فيه برؤية الهلال، ولم تثبت رؤيته، أو شهد واحد فردت شهادته، أو شاهدان فاسقان فردت شهادتهما، وقال ابن المنذر في (الإشراف): قال أبو حنيفة وأصحابه: لا بأس بصوم يوم الشك تطوعا، وهذا قول أهل العلم، وبه قال الأوزاعي، والليث بن سعد، وأحمد، وإسحاق، ومثله عن مالك على المشهور، وكانت أسماء بنت أبي بكر رضي الله تعالى عنهما تصومه، وذكر القاضي أبو يعلى أن صوم يوم الشك مذهب عمر بن الخطاب، وعلي بن أبي طالب، وأنس بن مالك، وأبي هريرة، وابن عباس.

وقال أصحابنا: صوم يوم الشك على وجوه؛ الأول: أن ينوي فيه صوم رمضان وهو مكروه، وفيه خلاف أبي هريرة، وعمر، ومعاوية، وعائشة، وأسماء، ثم إنه من رمضان يجزيه، وهو قول الأوزاعي [ ص: 280 ] والثوري، ووجه للشافعية، وعند الشافعي وأحمد: لا يجزيه إلا إذا أخبره به من يثق به من عبد أو امرأة، والثاني: أنه إن نوى عن واجب آخر كقضاء رمضان والنذر أو الكفارة، وهو مكروه أيضا، إلا أنه دون الأول في الكراهة، وإن ظهر أنه من شعبان قيل: يكون نفلا، وقيل: يجزيه عن الذي نواه من الواجب، وهو الأصح. وفي (المحيط): وهو الصحيح، والثالث: أن ينوي التطوع، وهو غير مكروه عندنا، وبه قال مالك. وفي (الإشراف): حكي عن مالك جواز النفل فيه عن أهل العلم، وهو قول الأوزاعي، والليث، وابن مسلمة، وأحمد، وإسحاق، وفي (جوامع الفقه): لا يكره صوم يوم الشك بنية التطوع، والأفضل في حق الخواص صومه بنية التطوع بنفسه وخاصته، وهو مروي عن أبي يوسف، وفي حق العوام: التلوم إلى أن يقرب الزوال، وفي (المحيط): إلى وقت الزوال، فإن ظهر أنه من رمضان نوى الصوم وإلا أفطر، والرابع: أن يضجع في أصل النية بأن ينوي أن يصوم غدا إن كان من رمضان ولا يصومه إن كان من شعبان، وفي هذا الوجه لا يصير صائما، والخامس: أن يضجع في وصف النية بأن ينوي إن كان غدا من رمضان يصوم عنه، وإن كان من شعبان فعن واجب آخر، فهو مكروه. والسادس: أن ينوي عن رمضان إن كان غدا منه، وعن التطوع إن كان من شعبان يكره.

قوله: " من صام يوم الشك" ، وفي رواية ابن خزيمة وغيره: " من صام اليوم الذي يشك فيه"، قال الطيبي: إنما أتى بالموصول ولم يقل: يوم الشك مبالغة في أن صوم يوم فيه أدنى شك سبب العصيان، فكيف من صام يوما الشك فيه قائم.

قوله: " فقد عصى أبا القاسم" ؛ استدل به على تحريم صوم يوم الشك؛ لأن الصحابي لا يقول ذلك من قبل رأيه فيكون من قبيل المرفوع، وقال ابن عبد البر : هو مسند عندهم لا يختلفون في ذلك، وخالفه الجوهري المالكي فقال: هو موقوف، ورد عليه بأنه موقوف لفظا مرفوع حكما، وإنما قال: "أبا القاسم"، بتخصيص هذه الكنية؛ للإشارة إلى أنه صلى الله عليه وسلم هو الذي يقسم بين عباد الله حكم الله بحسب قدرهم واقتدارهم.

التالي السابق


الخدمات العلمية