صفحة جزء
168 35 - حدثنا مالك بن إسماعيل ، قال: حدثنا إسرائيل ، عن عاصم ، عن ابن سيرين ، قال: قلت لعبيدة: عندنا من شعر النبي صلى الله عليه وسلم أصبناه من قبل أنس أو من قبل أهل أنس فقال: لأن تكون عندي شعرة منه أحب إلي من الدنيا وما فيها.


الكلام فيه من وجوه: الأول في رجاله وهم خمسة: الأول مالك بن إسماعيل أبو غسان النهدي الحافظ الحجة العابد، روى عنه مسلم والأربعة بواسطة، مات في سنة تسع عشرة ومائتين، وليس في الكتب الستة مالك بن إسماعيل سواه، الثاني إسرائيل بن يونس وقد تقدم، الثالث عاصم بن سليمان الأحول البصري الثقة الحافظ، مات سنة اثنتين وأربعين ومائة، الرابع محمد بن سيرين وقد تقدم، الخامس عبيدة بفتح العين وكسر الباء الموحدة وفي آخره هاء ابن عمرو، ويقال: ابن قيس بن عمرو السلماني بفتح السين وسكون اللام المرادي الكوفي، أسلم في حياة النبي عليه الصلاة والسلام ولم يلقه، وقال العجلي: هو كوفي تابعي ثقة جاهلي أسلم قبل وفاة رسول الله صلى الله عليه وسلم بسنتين وكان أعور. وقال سفيان بن عيينة : كان عبيدة يوازي شريحا في العلم والقضاء. وقال ابن نمير: كان شريح إذا أشكل عليه الأمر كتب إلى عبيدة، روى له الجماعة، مات سنة اثنتين وسبعين وقيل: ثلاث.

الثاني: في لطائف إسناده، منها أن رواته ما بين بصري وكوفي، ومنها أن فيه التحديث والعنعنة والقول، ومنها أن فيه رواية التابعي عن التابعي .

الثالث: أخرجه الإسماعيلي، وفي روايته: أحب إلي من كل صفراء وبيضاء.

الرابع في معناه وإعرابه.

قوله: عندنا من شعر النبي عليه الصلاة والسلام أي: عندنا شيء من شعره، ويحتمل أن تكون من للتبعيض، والتقدير بعض شعر النبي عليه الصلاة والسلام فيكون بعض مبتدأ وقوله عندنا خبره، ويجوز أن يكون المبتدأ محذوفا أي: عندنا شيء من شعر النبي عليه الصلاة والسلام، أو عندنا من شعر النبي عليه السلام شيء.

قوله: أصبناه من قبل أنس أي حصل لنا من جهة أنس بن مالك رضي الله عنه، وقوله: أو للتشكيك. قوله: لأن تكون اللام فيه لام الابتداء للتأكيد وأن مصدرية وتكون ناقصة، ويحتمل أن تكون تامة، والتقدير كون شعرة عندي من شعر النبي عليه الصلاة والسلام أحب إلي من الدنيا وما فيها من متاعها.

الخامس في حكم المستنبط منه، وهو أنه لما جاز اتخاذ شعر النبي عليه الصلاة والسلام والتبرك به لطهارته ونظافته دل على أن مطلق الشعر طاهر، ألا ترى أن خالد بن الوليد رضي الله عنه جعل في قلنسوته من شعر رسول الله عليه السلام، فكان يدخل بها في الحرب ويستنصر ببركته فسقطت عنه يوم اليمامة، فاشتد عليها شدة وأنكر عليه الصحابة فقال: إني لم أفعل ذلك لقيمة القلنسوة، لكن كرهت أن تقع بأيدي المشركين، وفيها من شعر النبي عليه الصلاة والسلام ، ثم إن البخاري استدل به على أن الشعر طاهر وإلا لما حفظوه ولا تمنى عبيدة أن تكون عنده شعرة واحدة منه، وإذا كان طاهرا فالماء الذي يغسل به طاهر، وهو مطابق لترجمة الباب، ولما وضعه البخاري في الماء الذي يغسل به شعر الإنسان ذكر هذا الأثر مطابقا للترجمة ودليلا لما ادعاه ، ثم ذكر حديثا آخر مرفوعا على ما يأتي الآن.

التالي السابق


الخدمات العلمية