صفحة جزء
1836 وقال لي يحيى بن صالح ، حدثنا معاوية بن سلام قال : حدثنا يحيى ، عن عمر بن الحكم بن ثوبان سمع أبا هريرة رضي الله عنه يقول : إذا قاء فلا يفطر إنما يخرج ولا يولج .


عادة البخاري إذا أسند شيئا من الموقوفات يأتي بهذه الصيغة ، ويحيى بن صالح أبو زكريا الوحاظي الحمصي ، ومعاوية بن سلام بتشديد اللام مر في كتاب الكسوف ، ويحيى هو ابن أبي كثير ، وعمر بن الحكم بالحاء المهملة والكاف المفتوحتين ابن ثوبان بالثاء المثلثة الحجازي أبو حفص المدني .

قوله : " إذا قاء " أي الصائم. قوله : " وإنما يخرج " من الخروج . قوله : " ولا يولج " من الإيلاج أي لا يدخل ؛ المعنى أن الصوم لا ينقض إلا بشيء يدخل ولا ينقض بشيء يخرج ، وفي رواية الكشميهني أنه يخرج ولا يولج ؛ أي أن القيء يخرج ولا يدخل ، وهذا الحصر منقوض بالمني ، فإنه مما يخرج وهو موجب للقضاء والكفارة .

وهذا الحديث رواه الأربعة مرفوعا من حديث هشام بن حسان ، عن محمد بن سيرين ، عن أبي هريرة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : " من ذرعه القيء فليس عليه قضاء ومن استقاء عمدا فليقض " وقال الترمذي : حديث أبي هريرة حديث حسن غريب لا نعرفه من حديث هشام ، عن ابن سيرين ، عن أبي هريرة ، عن النبي صلى الله عليه وسلم إلا من حديث عيسى بن يونس قال : وقد روي هذا الحديث من غير وجهه ، عن أبي هريرة ، عن النبي صلى الله عليه وسلم ، ولا يصح إسناده ، وقال البخاري : لم يصح وإنما يروى عن عبد الله بن سعيد المقبري ، عن أبي هريرة ، وعبد الله ضعيف ، ورواه الدارمي من طريق عيسى بن يونس ، ونقل عن عيسى أنه قال : زعم أهل البصرة أن هشاما وهم فيه ، وقال أبو داود : سمعت أحمد يقول : ليس من ذا شيء ، وقال الخطابي : يريد أنه غير محفوظ ، وقال ابن بطال : تفرد به عيسى وهو ثقة إلا أن أهل الحديث أنكروه عليه ووهم عندهم فيه ، وقال أبو علي الطوسي : هو حديث غريب ، والصحيح رواية أبي الدرداء وثوبان وفضالة بن عبيد " أن النبي صلى الله عليه وسلم قاء فأفطر " وقال الترمذي : حديث أبي الدرداء أصح شيء في القيء والرعاف .

قلت : حديث أبي الدرداء رواه الأربعة ، ورواه الطحاوي قال : حدثنا ابن مرزوق قال : حدثنا عبد الصمد بن عبد الوارث قال : حدثنا أبي ، عن حسين [ ص: 36 ] المعلم ، عن يحيى بن أبي كثير ، عن عبد الرحمن بن عمرو الأوزاعي ، عن يعيش بن الوليد ، عن أبيه ، عن معدان بن طلحة ، " عن أبي الدرداء أن النبي صلى الله عليه وسلم قاء فأفطر قال : فلقيت ثوبان في مسجد دمشق . قلت : إن أبا الدرداء أخبرني أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قاء فأفطر ، فقال : صدق . أنا صببت له وضوءه " ، ثم قال الطحاوي : فذهب قوم إلى أن الصائم إذا قاء أفطر ، واحتجوا في ذلك بهذا الحديث . قلت : أراد بالقوم عطاء والأوزاعي وأبا ثور، ثم قال الطحاوي : وخالفهم في ذلك آخرون ، فقالوا إن استقاء أفطر ، وإن ذرعه القيء أي سبقه وغلب عليه لم يفطر وأراد بالآخرين القاسم بن محمد ، والحسن البصري وابن سيرين وإبراهيم النخعي وسعيد بن جبير ، والشعبي وعلقمة والثوري وأبا حنيفة وأصحابه ومالكا والشافعي ، وأحمد وإسحاق ، ويروى ذلك عن علي وابن عباس وابن مسعود ، وعبد الله بن عمر ، وأبي هريرة رضي الله تعالى عنهم ، وقد قام الإجماع على أن من ذرعه القيء لا قضاء عليه ، ونقل ابن المنذر الإجماع على أن الاستقاء مفطر ، ونقل العبدري عن أحمد أنه قال : من تقيأ فاحشا أفطر ، وقال الليث والثوري والأربعة بالقضاء ، وعليه الجمهور ، وعن ابن مسعود وابن عباس أنه لا يفطر ، ولكن في مصنف ابن أبي شيبة بإسناده عن ابن عباس أنه إذا تقيأ أفطر ، ونقل ابن التين عن طاوس عدم القضاء قال : وبه قال ابن بكير ، وقال ابن حبيب : لا قضاء عليه في التطوع دون الفرض ، وقال الأوزاعي وأبو ثور : عليه القضاء والكفارة مثل كفارة الأكل عامدا في رمضان ، وهو قول عطاء ، واحتجوا بحديث أبي الدرداء المذكور الذي أخرجه ابن حبان والحاكم أيضا في صحيحيهما ، وأجاب أبو عمر أنه ليس بالقوي ، وقال الطحاوي : قد يجوز أن يكون قوله : " فأفطر " أي ضعف فأفطر ، ويجوز هذا في اللغة يعني يجوز هذا التقدير في اللغة لتضمن مثل ذلك لعلم السامع به كما في حديث فضالة : ولكني قئت فضعفت عن الصيام فأفطرت ، وليس فيه أن القيء كان مفطرا ، وقال الترمذي : معنى هذا الحديث أن النبي صلى الله عليه وسلم أصبح صائما متطوعا فقاء فضعف فأفطر لذلك ، هكذا روي في بعض الحديث مفسرا ، وأجاب البيهقي بأن هذا الحديث مختلف في إسناده ، فإن صح فمحمول على العامد ، وكأنه كان صلى الله تعالى عليه وسلم متطوعا بصومه .

وحديث فضالة رواه الطحاوي ، حدثنا ربيع المؤذن قال : حدثنا أسد قال : حدثنا ابن لهيعة قال : حدثنا يزيد بن أبي حبيب قال : حدثنا أبو مرزوق ، عن حنش ، عن فضالة بن عبيد قال : " دعا رسول الله صلى الله عليه وسلم بشراب فقال له : ألم تصبح صائما يا رسول الله ؟ قال : بلى ولكن قئت " وأخرجه الطبراني والبيهقي أيضا وأبو مرزوق اسمه حبيب بن الشهيد ، وقيل : زمعة بن سليم قال العجلي : مصري تابعي ثقة ، وروى له أبو داود وابن ماجه ، وحنش هو ابن عبد الله الصنعاني صنعاء دمشق ، روى له الجماعة غير البخاري ، فإن قلت : ابن لهيعة فيه مقال . قلت : الطحاوي أخرجه من أربع طرق : الأول : ما ذكرناه الذي فيه ابن لهيعة والبقية عن أبي بكرة ، عن روح وعن محمد بن خزيمة ، عن حجاج ، وعن حسين بن نصر ، عن يحيى بن حسان قالوا : حدثنا حماد بن سلمة ، عن محمد بن إسحاق ، عن يزيد بن أبي حبيب ، عن أبي مرزوق ، عن حنش ، عن فضالة إلى آخره ، وقال الترمذي : والعمل عند أهل العلم على حديث أبي هريرة ، عن النبي صلى الله عليه وسلم أن الصائم إذا ذرعه القيء فلا قضاء عليه ، وإذا استقاء عمدا فليقض ، وبه يقول الشافعي وسفيان الثوري وأحمد وإسحاق ، وقال ابن المنذر : وهو قول كل من يحفظ عنه العلم قال : وبه أقول قال أصحابنا : ويستوي فيه ملء الفم وما دونه لإطلاق حديث أبي هريرة المرفوع ، فإن عاد وكان ملء الفم لا يفسد صومه عند أبي حنيفة ومحمد قال في المحيط وهو الصحيح ، وذكر في قاضيخان ، عن محمد وحده وعند أبي يوسف : يفسد وإن أعاده وكان أقل من ملء الفم يفسد عند محمد وزفر ، وهذا إذا تقيأ مرة أو طعاما أو ماء ، فإن تقيأ ملء فيه بلغما لا يفسد عندهما خلافا لأبي يوسف .

التالي السابق


الخدمات العلمية