صفحة جزء
1850 وقال أبو الزناد : إن السنن ووجوه الحق لتأتي كثيرا على خلاف الرأي ، فما يجد المسلمون بدا من اتباعها من ذلك أن الحائض تقضي الصيام ولا تقضي الصلاة .


أبو الزناد بكسر الزاي وبالنون اسمه عبد الله بن ذكوان القرشي أبو عبد الرحمن المدني ، وعن ابن معين ثقة حجة ، وعن أحمد : كان سفيان يسمي أبا الزناد أمير المؤمنين في الحديث ، مات سنة ثلاثين ومائة ، وهو ابن ست وستين سنة ، وأبدله ابن بطال بأبي [ ص: 57 ] الدرداء يعني قائل هذا الكلام هو أبو الدرداء الصحابي ، والمقصود منه أن الأمور الشرعية التي ترد على خلاف القياس ، ولا يعلم وجه الحكمة فيها يجب الاتباع بها ، ويكل الأمر فيها إلى الشارع ، ويتعبد بها ولا يعترض ولا يقول : لم كان كذا ؟ ألا ترى أن في حديث قتادة قال : حدثتني معاذة " أن امرأة قالت لعائشة : أتجزئ إحدانا صلاتها إذا طهرت ؟ قالت : أحرورية أنت ؟ كنا نحيض مع النبي صلى الله عليه وسلم فلا يأمرنا به ، أو قالت : فلا نفعله " . وقد تقدم هذا في باب : لا تقضي الحائض الصلاة في كتاب الحيض ، وقال بعضهم : وقد تقدم في كتاب الحيض سؤال معاذة عن عائشة عن الفرق المذكور ، وأنكرت عليها عائشة السؤال ، وخشيت عليها أن تكون تلقته من الخوارج الذين جرت عادتهم باعتراض السنن بآرائهم ، ولم تزدها على الحوالة على النص ؛ فكأنها قالت لها : دعي السؤال عن العلة إلى ما هو أهم من معرفتها ، وهو الانقياد إلى الشارع . انتهى . قلت : قد غلط هذا القائل في قوله سؤال معاذة عن عائشة عن الفرق إلى آخره ولم يكن السؤال من معاذة ، وإنما معاذة حدثت أن امرأة قالت لعائشة ، فهذه هي السائلة دون معاذة ، والسؤال والجواب إنما كانا بين تلك المرأة وعائشة ، ولم تكن بين معاذة وعائشة على ما لا يخفى .

قوله : " ووجوه الحق " ، أي الأمور الشرعية ، واللام في قوله : " لتأتي " ، مفتوحة للتأكيد . قوله : " على خلاف الرأي " ، أي العقل والقياس . قوله : " فما يجد المسلمون بدا " ، أي افتراقا وامتناعا من اتباعها . قوله : " من ذلك " ، أي من جملة ما هو أتى بخلاف الرأي قضاء الصوم والصلاة ، فإن مقتضاه أن يكون قضاؤهما متساويين في الحكم ؛ لأن كلا منهما عبادة تركت لعذر ، لكن قضاء الصوم واجب .

والحاصل من كلامه أن الأمور الشرعية التي تأتي على خلاف الرأي والقياس لا يطلب فيها وجه الحكمة ، بل يتعبد بها ، ويوكل أمرها إلى الله تعالى ؛ لأن أفعال الله تعالى لا تخلو عن حكمة ، ولكن غالبها تخفى على الناس ، ولا تدركها العقول ، ومن جملة ما قالوا في الفرق بين الصوم والصلاة على أنواع ؛ منها ما قال الفقهاء : الفرق بينهما أن الصوم لا يقع في السنة إلا مرة واحدة ، فلا حرج في قضائه بخلاف الصلاة ، فإنها متكررة كل يوم ، ففي قضائها حرج عظيم ، ومنها ما قالوا : إن الحائض لا تضعف عن الصيام فأمرت بإعادة الصيام عملا بقوله فمن كان منكم مريضا والنزف مرض بخلاف الصلاة ، فإنها أكثر الفرائض تردادا ، وهي التي حطها الله تعالى في أصل الفرض من خمسين إلى خمس ، فلو أمرت بإعادتها لتضاعف عليها الفرض ، ومنها ما قالوا : إن الله تعالى وصف الصلاة بأنها كبيرة في قوله تعالى وإنها لكبيرة فلو أمرت بإعادتها لكانت كبيرة على كبيرة ، وقال إمام الحرمين : إن المنع في ذلك النص وإن كل شيء ذكروه من الفرق ضعيف ، وزعم المهلب أن السبب في منع الحائض من الصوم أن خروج الدم يحدث ضعفا في النفس غالبا ، فاستعمل هذا الغالب في جميع الأحوال ، فلما كان الضعف يبيح الفطر ويوجب القضاء ، كان كذلك الحيض ، وفيه نظر لأن المريض لو تحامل فصام صح صومه ، بخلاف الحائض ، فإن المستحاضة في نزف الدم أشد من الحائض ، وقد أبيح لها الصوم .

التالي السابق


الخدمات العلمية