صفحة جزء
1851 60 - حدثنا محمد بن خالد قال : حدثنا محمد بن موسى بن أعين قال : حدثنا أبي ، عن عمرو بن الحارث ، عن عبيد الله بن أبي جعفر أن محمد بن جعفر حدثه ، عن عروة ، عن عائشة رضي الله عنها أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : من مات وعليه صيام صام عنه وليه .


مطابقته للترجمة من حيث إنه يبين الإبهام الذي فيها .

ذكر رجاله : وهم ثمانية الأول : محمد بن خالد اختلف فيه ، فذكر أبو علي الجياني أن أبا نصر والحاكم قالا : هو الذهلي نسبة إلى جده ، فإنه محمد بن يحيى بن عبد الله بن خالد ، وقال ابن عدي : في شيوخ البخاري محمد بن خالد بن جبلة الرافعي ، وقال ابن عساكر : قيل : إن البخاري روى عنه ، وقال أبو نعيم في المستخرج : رواه يعني البخاري ، عن محمد بن خالد بن خلي ، عن محمد بن موسى بن أعين ، وكأنه منفرد بهذا القول ، وجزم الجوزقي بأنه الذهلي ؛ فإنه أخرجه عن أبي حامد بن الشرفي عنه ، وقال : أخرجه البخاري ، عن محمد بن يحيى ، وبذلك جزم الكلاباذي ، ووافقه المزي ، وهو الراجح ، وعلى هذا فقد نسبه البخاري هنا إلى جد أبيه لأنه محمد بن يحيى بن عبد الله بن خالد بن خلي على وزن علي . الثاني : محمد بن موسى بن أعين أبو يحيى الجزري . الثالث : أبوه موسى بن أعين الجزري ، أبو سعيد ، مات سنة خمس ، وقيل : سبع وتسعين ومائة . الرابع : عمرو بن الحارث بن يعقوب الأنصاري أبو أمية المؤدب . الخامس : عبيد الله بن أبي جعفر يسار الأموي القرشي . السادس : محمد بن جعفر بن الزبير بن العوام . السابع : عروة بن الزبير . الثامن : عائشة رضي الله تعالى عنها ، وهذا الحديث من ثمانيات البخاري ، ومثل هذا قليل في الكتاب .

ذكر لطائف إسناده : فيه التحديث بصيغة الجمع في ثلاثة مواضع ، وبصيغة الإفراد في موضع ، وفيه العنعنة في أربعة مواضع ، وفيه نسبة الراوي إلى جده ، وفيه رواية الابن عن الأب ، وفيه رواية الراوي عن عمه ، وهو محمد بن جعفر يروي عن عمه عروة ، وفيه أن شيخه نيسابوري ، ومحمد بن موسى وأبوه حرانيان ، وعمرو بن الحارث وعبيد الله بن جعفر مصريان ، ومحمد بن جعفر وعروة مدنيان .

ذكر من أخرجه غيره : أخرجه مسلم أيضا في الصوم ، عن هارون بن سعيد الأيلي ، وعن أحمد بن عيسى ، وأخرجه أبو داود فيه عن أحمد بن صالح ، عن ابن وهب ، وأخرجه النسائي فيه ، عن علي بن عثمان النفيلي ، وإسماعيل بن يعقوب الحرانيين .

ذكر معناه : قوله : " من مات " ، أي من المكلفين بقرينة قوله : " وعليه صيام " ، لأن كلمة " على " للإيجاب ، والواو فيه للحال . قوله : " صام عنه " ، أي عن الميت وليه ، واختلف المجيزون الصوم عن الميت في المراد بالولي ، فقيل : كل قريب ، وقيل : الوارث خاصة ، وقيل : عصبته ، وقال الكرماني : الصحيح أن المراد به القريب سواء كان عصبة أو وارثا أو غيرهما . انتهى . ولو صام عنه أجنبي قال في شرح المهذب : إن كان بإذن الولي صح ، وإلا فلا ، ولا يجب على الولي الصوم عنه ، بل يستحب وأطلق [ ص: 59 ] ابن حزم النقل عن الليث بن سعد ، وأبي ثور وداود أنه فرض على أوليائه هم أو بعضهم ، وبه صرح القاضي أبو الطيب الطبري في تعليقه بأن المراد منه الوجوب ، وجزم به النووي في الروضة من غير أن يعزوه إلى أحد ، وزاد في شرح المهذب فقال : إنه بلا خلاف ، وقال شيخنا زين الدين : هذا عجيب منه ثم قال : وحكى النووي في شرح مسلم عن أحد قولي الشافعي إنه يستحب لوليه أن يصوم عنه ثم قال : ولا يجب عليه .

ذكر ما يستفاد منه : احتج به أصحاب الحديث فأجازوا الصيام عن الميت ، وبه قال الشافعي في القديم وأبو ثور وطاوس والحسن والزهري وقتادة وحماد بن أبي سليمان والليث بن سعد وداود الظاهري وابن حزم ، سواء كان عن صيام رمضان أو عن كفارة أو عن نذر ، ورجح البيهقي والنووي القول القديم للشافعي لصحة الأحاديث فيه ، وقال النووي رحمه الله في شرح مسلم إنه الصحيح المختار الذي نعتقده ، وهو الذي صححه محققو أصحابه الجامعيين بين الفقه والحديث لقوة الأحاديث الصحيحة الصريحة ، ونقل البيهقي في الخلافيات من كان عليه صوم فلم يقضه مع القدرة عليه حتى مات صام عنه وليه أو أطعم عنه على قوله في القديم ، وهذا ظاهر أن القديم تخيير الولي بين الصيام والإطعام ، وبه صرح النووي في شرح مسلم . قلت : ليس القول القديم مذهبا له فإنه غسل كتبه القديمة وأشهد على نفسه بالرجوع عنها هكذا نقل ذلك عنه أصحابه .

ثم اعلم أن في هذا الباب اختلافا كثيرا وأقوالا الأول : ما ذكرناه الآن ، والثاني : هو أن يطعم الولي عن الميت كل يوم مسكينا مدا من قمح وهو قول الزهري ومالك والشافعي في الجديد ، وأنه لا يصوم أحد عن أحد ، وإنما يطعم عنه عند مالك إذا أوصى به ، والثالث : يطعم عنه كل يوم نصف صاع ، روي ذلك عن ابن عباس وهو قول سفيان الثوري ، والرابع : يطعم عنه عن كل يوم صاعا من غير البر ونصف صاع من البر وهو قول أبي حنيفة ، وهذا إذا أوصى به ، فإن لم يوص فلا يطعم عنه . الخامس : التفرقة بين صوم رمضان وبين صوم النذر فيصوم عنه وليه ما عليه من نذر ويطعم عنه ، عن كل يوم من رمضان مدا ، وهو قول أحمد وإسحاق ، وحكاه النووي عن أبي عبيد أيضا ، والسادس : أنه لا يصوم عنه الأولياء إلا إذا لم يجدوا ما يطعم عنه ، وهو قول سعيد بن المسيب والأوزاعي.

وحجة أصحابنا الحنفية ومن تبعهم في هذا الباب في أن من مات وعليه صيام لا يصوم عنه أحد ، ولكنه إن أوصى به أطعم عنه وليه كل يوم مسكينا نصف صاع من بر أو صاعا من تمر أو شعير ما رواه النسائي " عن ابن عباس أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : لا يصلي أحد عن أحد ولكن يطعم عنه " ، وعن ابن عمر رضي الله تعالى عنهما قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : من مات وعليه صوم شهر فليطعم عنه مكان كل يوم مسكينا " قال القرطبي في شرح الموطأ : إسناده حسن . قلت : هذا الحديث رواه الترمذي ، وقال : حدثنا قتيبة ، حدثنا عبثر بن القاسم ، عن أشعث ، عن محمد ، عن نافع ، عن ابن عمر ، عن النبي صلى الله عليه وسلم ثم قال : لا نعرفه مرفوعا إلا من هذا الوجه ، والصحيح عن ابن عمر موقوف ورواه ابن ماجه أيضا ، عن محمد بن يحيى ، عن قتيبة إلا أنه قال : عن محمد بن سيرين ، عن نافع وقال الحافظ المزي : وهو وهم ، وقال شيخنا : وقد شك عبثر في محمد هذا ، فلم يعرف من هو ، كما رواه ابن عدي في الكامل ، من رواية الوليد بن شجاع ، عن عبثر بن أبي زبيد ، عن الأشعث ، عن محمد لا يدري أبو زبيد ، عن محمد ، فذكر الحديث ، ثم قال ابن عدي بعده : ومحمد هو ابن عبد الرحمن بن أبي ليلى قال : وهذا الحديث لا أعلمه يرويه عن أشعث غير عبثر ورواه البيهقي من رواية يزيد بن هارون ، عن شريك ، عن محمد بن عبد الوارث بن عبد الرحمن بن أبي ليلى ، عن نافع ، " عن ابن عباس ، عن النبي صلى الله عليه وسلم في الذي يموت وعليه رمضان ولم يقضه قال : يطعم عنه لكل يوم نصف صاع من بر " قال : البيهقي : هذا خطأ من وجهين : أحدهما رفعه الحديث إلى النبي صلى الله عليه وسلم ، وإنما هو من قول ابن عمر ، والآخر قوله : " نصف صاع " ، وإنما قال : " مدا من حنطة " ، وضعفه عبد الحق في أحكامه بأشعث وابن أبي ليلى .

وقال الدارقطني في علله : المحفوظ موقوف ، هكذا رواه عبد الوهاب بن بخت ، عن نافع ، عن ابن عمر رضي الله تعالى عنهما ، وقال البيهقي في المعرفة : لا يصح هذا الحديث ؛ فإن محمد بن أبي ليلى كثير الوهم ، ورواه أصحاب نافع ، عن نافع ، عن ابن عمر . قوله : قلت : رفع هذا الحديث قتيبة في رواية الترمذي ، عن عبثر [ ص: 60 ] ابن القاسم قال أحمد : صدوق ثقة ، وقال أبو داود : ثقة ثقة ، وروى له الجماعة وهو يروي عن الأشعث ، وهو ابن سوار الكندي الكوفي نص عليه المزي ، وثقه يحيى في روايته ، وروى له مسلم في المتابعات ، والأربعة ومحمد بن عبد الرحمن بن أبي ليلى قال العجلي : كان فقيها صاحب سنة صدوقا ، جائز الحديث ، روى له الأربعة فمثل هؤلاء إذا رفعوا الحديث لا ينكر عليهم ؛ لأن معهم زيادة علم ، مع أن القرطبي حسن إسناده .

وأما قول البيهقي : هذا خطأ ، فمجرد حط ودعوى من غير بيان وجه ذلك على أن ابن سيرين قد تابع ابن أبي ليلى على رفعه ، فلقائل أن يمنع الوقف ، وأما الجواب عن حديث الباب فقد قال مهنئ : سألت أحمد عن حديث عبيد الله بن أبي جعفر ، عن محمد بن جعفر ، عن عروة ، عن عائشة مرفوعا : " من مات وعليه صيام " . فقال أبو عبد الله : ليس بمحفوظ ، وهذا من قبل عبيد الله بن أبي جعفر ، وهو منكر الأحاديث ، وكان فقيها ، وأما الحديث فليس هو فيه بذاك ، وقال البيهقي : ورأيت بعض أصحابنا ضعف حديث عائشة بما روي عن عمارة بن عمير ، عن امرأة ، عن عائشة في امرأة ماتت وعليها الصوم ، قالت : يطعم عنها قال : وروي من وجه آخر ، عن عائشة أنها قالت : لا تصوموا عن موتاكم ، وأطعموا عنهم ، ثم قال : وفيهما نظر ، ولم يزد عليه . قلت : قال الطحاوي : حدثنا روح بن الفرج ، حدثنا يوسف بن عدي ، حدثنا عبيد بن حميد ، عن عبد العزيز بن رفيع ، عن عمرة بنت عبد الرحمن . " قلت لعائشة : إن أمي توفيت وعليها صيام رمضان ، أيصلح أن أقضي عنها ؟ فقالت : لا ، ولكن تصدقي عنها مكان كل يوم على مسكين خير من صيامك " ، وهذا سند صحيح .

وقد أجمعوا على أنه لا يصلي أحد عن أحد ، فكذلك الصوم ؛ لأن كلا منهما عبادة بدنية ، وقال ابن القصار : لما لم يجز الصوم عن الشيخ الهرم في حياته ، فكذا بعد مماته ، فيرد ما اختلف فيه إلى ما أجمع عليه ، وحكى ابن القصار أيضا في شرح البخاري ، عن المهلب أنه قال : لو جاز أن يصوم أحد عن أحد في الصوم لجاز أن يصلي الناس عن الناس ، فلو كان ذلك سائغا لجاز أن يؤمن رسول الله صلى الله عليه وسلم عن عمه أبي طالب ؛ لحرصه على إيمانه ، وقد أجمعت الأمة على أنه لا يؤمن أحد عن أحد ، ولا يصلي أحد عن أحد ، فوجب أن يرد ما اختلف فيه إلى ما أجمع عليه . قلت : فيه بعض غضاضة ، وترك محاسن الأدب ، ومصادمة الأخبار الثابتة فيه ، والأحسن فيه أن يسلك فيها ما سلكناه من الوجوه المذكورة .

ولنا قاعدة أخرى في مثل هذا الباب ، وهي أن الصحابي إذا روى شيئا ثم أفتى بخلافه ، فالعبرة لما رآه ، وقال بعضهم : الراجح أن المعتبر ما رواه لا ما رآه ؛ لاحتمال أن يخالف ذلك لاجتهاد مستنده فيه لم يتحقق ، ولا يلزم من ذلك ضعف الحديث عنده ، وإذا تحققت صحة الحديث لم يترك به المحقق للمظنون . انتهى . قلت : الاحتمال الذي ذكره باطل ؛ لأنه لا يليق بجلالة قدر الصحابي أن يخالف ما رواه من النبي صلى الله عليه وسلم ؛ لأجل اجتهاده فيه ، وحاشا الصحابي أن يجتهد عند النص بخلافه ؛ لأنه مصادمة للنص ، وذا لا يقال في حق الصحابي ، وإنما فتواه بخلاف ما رواه إنما يكون لظهور نسخ عنده ، وقوله : ومستنده فيه لم يتحقق ، كلام واه ؛ لأنه لو لم يتحقق عنده ما يوجب ترك العمل به لما أفتى بخلافه ، وإلا يلزم نسبة الصحابي العدل الموثوق إلى العمل بخلاف ما رواه ، وقوله : وإذا تحققت إلى آخره ، يستلزم العمل بالأحاديث الصحيحة المنسوخة الثابت نسخها ، ولا يلزم العمل بحديث تحققت صحته ، ونسخه حديث آخر ، وقوله : " للمظنون " ، يعني لأجل المظنون ، قلنا : المظنون الذي يستند به هذا القائل هو المظنون عنده ، لا عند الصحابي الذي أفتى بخلاف ما روى ؛ لأن حاله يقتضي أن لا يترك الحديث الذي رواه بمجرد الظن . والله أعلم .

التالي السابق


الخدمات العلمية