صفحة جزء
1860 69 - حدثنا مسدد قال : حدثني يحيى ، عن شعبة قال : حدثني قتادة ، عن أنس رضي الله عنه ، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : لا تواصلوا ، قالوا : إنك تواصل ، قال : لست كأحد منكم ، إني أطعم وأسقى ، أو : إني أبيت أطعم وأسقى.


مطابقته للترجمة ظاهرة ، فإنه يوضح جواب الترجمة ، ورجاله قد ذكروا غير مرة ، ويحيى ابن سعيد القطان .

وأخرجه مسلم من رواية سليمان ، عن ثابت ، عن أنس قال : كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يصلي في رمضان .. الحديث بطوله . وفيه : فأخذ يواصل [ ص: 72 ] رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وذلك في آخر الشهر ، فأخذ رجال من أصحابه يواصلون ، فقال النبي صلى الله عليه وسلم : ما بال رجال يواصلون إنكم لستم مثلي أما والله لو تماد بي الشهر لواصلت وصالا يدع المتعمقون تعمقهم . وفي لفظ له : إني لست مثلكم إني أظل يطعمني ربي ويسقيني . وفي لفظ إني لست كهيئتكم .

قوله ( إني لست كأحد منكم ) وفي رواية الكشميهني : كأحدكم ، وفي حديث ابن عمر : إني لست مثلكم ، وفي حديث أبي زرعة ، عن أبي هريرة عند مسلم : لستم في ذلك مثلي ، وفي حديث أبي هريرة سيأتي : وأيكم مثلي ، أي : على صفتي أو منزلتي من ربي .

قوله ( أو إني أبيت ) الشك من شعبة ، وفي رواية أحمد ، عن بهز عنه : إني أظل ، أو قال : إني أبيت ، وقد رواه سعيد بن أبي عروبة ، عن قتادة بلفظ : إن ربي يطعمني ويسقيني ، أخرجه الترمذي .

قوله ( لا تواصلوا ) نهي ، وأدناه يقتضي الكراهة .

ولكن اختلفوا هل هي رواية تنزيه أو تحريم على وجهين حكاهما صاحب ( المهذب ) وغيره ، أصحهما عندهم أن الكراهة للتحريم ، قال الرافعي : وهو ظاهر كلام الشافعي ، وحكى صاحب ( المفهم ) ، عن قوم : أنه يحرم ، قال : وهو مذهب أهل الظاهر ، قال : وذهب الجمهور ، ومالك ، والشافعي ، وأبو حنيفة ، والثوري ، وجماعة من أهل الفقه إلى كراهته ، وذهب آخرون إلى جواز الوصال لمن قوي عليه ، وممن كان يواصل عبد الله بن الزبير ، وابن عامر ، وابن وضاح من المالكية كان يواصل أربعة أيام ، حكاه ابن حزم ، وقد حكى القاضي عياض ، عن ابن وهب ، وإسحاق ، وابن حنبل أنهم أجازوا الوصال ، والجمهور ذهبوا إلى أن الوصال من خواص النبي صلى الله عليه وسلم لقوله : إني لست كأحد منكم ، وهذا دال على التخصيص ، وأما غيره من الأمة فحرام عليه ، وفي ( سنن أبي داود ) من حديث عائشة : كان يصلي بعد العصر ، وينهى عنها ، ويواصل وينهى عن الوصال . وممن قال به من الصحابة علي بن أبي طالب ، وأبو هريرة ، وأبو سعيد ، وعائشة رضي الله تعالى عنهم ، واحتج من أباح الوصال بقول عائشة : نهاهم عن الوصال رحمة لهم ، فقالوا : إنما نهاهم رفقا لا إلزاما لهم ، واحتجوا أيضا بكون النبي صلى الله عليه وسلم واصل بأصحابه يومين حين أبوا أن ينتهوا . قال صاحب ( المفهم ) : وهو يدل على أن الوصال ليس بحرام ولا مكروه من حيث هو وصال ، لكن من حيث يذهب بالقوة ، وأجاب المحرمون عن الحديثين بأن قالوا : لا يمنع قوله ( رحمة لهم ) أن يكون منهيا عنه للتحريم ، وسبب تحريمه الشفقة عليهم لئلا يتكلفوا ما يشق عليهم ، قالوا : وأما وصاله بهم فلتأكيد الزجر ، وبيان الحكمة في نهيهم ، والمفسدة المترتبة على الوصال ، وهي الملل من العبادة وخوف التقصير في غيره من العبادات ، وقال ابن العربي : وتمكينهم منه تنكيل لهم ، وما كان على طريق العقوبة لا يكون من الشريعة .

فإن قلت : كيف يحسن قولهم له بعد النهي عن الوصال : فإنك تواصل ، وهم أكثر الناس آدابا .

قلت : لم يكن ذلك على سبيل الاعتراض ، ولكن على سبيل استخراج الحكم أو الحكمة أو بيان التخصيص .

قوله ( إني أطعم وأسقى ) اختلف في تأويله ، فقيل : إنه على ظاهره ، وأنه يؤتى على الحقيقة بطعام وشراب يتناولهما ، فيكون ذلك تخصيص كرامة لا شركة فيها لأحد من أصحابه ، ورد صاحب ( المفهم ) هذا وقال : لأنه لو كان كذلك لما صدق عليه قولهم إنك تواصل ، ولا ارتفع اسم الوصال عنه ؛ لأنه حينئذ يكون مفطرا ، وكان يخرج كلامه عن أن يكون جوابا لما سئل عنه ، ولأن في بعض ألفاظه : إني أظل عند ربي يطعمني ويسقيني ، وظل إنما يقال فيمن فعل الشيء نهارا ، وبات فيمن يفعله ليلا ، وحينئذ كان يلزم عليه فساد صومه ، وذلك باطل بالإجماع ، وقيل : إن الله تعالى يخلق فيه من الشبع والري ما يغنيه عن الطعام والشراب ، واعترض صاحب ( المفهم ) على هذا أيضا ، وقال : وهذا القول أيضا يبعده النظر إلى حاله صلى الله تعالى عليه وسلم ، فإنه كان يجوع أكثر مما يشبع ، ويربط على بطنه الحجارة من الجوع ، وبعده أيضا النظر إلى المعنى ، وذلك لأنه لو خلق فيه الشبع والري لما وجد لعبادة الصوم روحها الذي هو الجوع والمشقة ، وحينئذ كان يكون ترك الوصال أولى ، وقيل : إن الله تعالى يحفظ عليه قوته من غير طعام وشراب كما يحفظها بالطعام والشراب ، فعبر بالطعام والسقيا عن فائدتهما ، وهي القوة ، وعليه اقتصر ابن العربي ، وحكى الرافعي ، عن المسعودي قال : أصح ما قيل في معناه أني أعطى قوة الطاعم والشارب .

التالي السابق


الخدمات العلمية