صفحة جزء
1894 105 - حدثنا محمد بن بشار ، قال : حدثنا غندر ، حدثنا شعبة ، قال : سمعت عبد الله بن عيسى ، عن [ ص: 114 ] الزهري ، عن عروة ، عن عائشة ، وعن سالم ، عن ابن عمر رضي الله عنهم قالا : لم يرخص في أيام التشريق أن يصمن ، إلا لمن لم يجد الهدي .


مطابقته للترجمة من حيث إنه يوضح الإطلاق الذي فيها ، وكان إطلاقها لأجل الاختلاف في صوم أيام التشريق ، فأوضح الخلاف الذي يتضمن هذا الإطلاق بأثر عائشة ، وبأثرها أيضا ، وأثر ابن عمر أن الجواز لمن لم يجد الهدي ، لا مطلقا .

فإن قلت : أثر عائشة المذكورة أولا مطلق ، والثاني مقيد ، فما وجه ذلك ؟

قلت : يجوز أن تكون عائشة عدت أيام التشريق من أيام الحج ، وخفي عليها ما كان من نهي النبي صلى الله عليه وسلم عن الصيام في هذه الأيام الذي يدل على أنها لا تدخل فيما أباح الله عز وجل صومه من ذلك .

فإن قلت : كيف يخفي عليها هذا المقدار مع مكانتها في العلم وقربها من رسول الله صلى الله عليه وسلم ؟

قلت : هذا منها اجتهاد ، والمجتهد قد يخفى عليه ما لا يخفى على غيره .

ذكر رجاله ، وهم تسعة :

الأول : محمد بن بشار ، بالباء الموحدة ، وقد تكرر ذكره .

الثاني : غندر ، هو محمد بن جعفر .

الثالث : شعبة بن الحجاج .

الرابع : عبد الله بن عيسى بن عبد الرحمن بن أبي ليلى ، وهو ابن أخي محمد بن عبد الرحمن بن أبي ليلى الفقيه المشهور ، وكان عبد الله أسن من عمه محمد ، وكان يقال : إنه أفضل من عمه .

الخامس : محمد بن مسلم الزهري .

السادس : عروة بن الزبير بن العوام .

السابع : عائشة أم المؤمنين .

الثامن : سالم بن عبد الله بن عمر .

التاسع : أبوه عبد الله بن عمر بن الخطاب رضي الله تعالى عنهم .

ذكر لطائف إسناده :

فيه التحديث بصيغة الجمع في ثلاثة مواضع . وفيه العنعنة في أربعة مواضع . وفيه السماع . وفيه أن عبد الله بن عيسى ليس له في البخاري سوى هذا الحديث ، وآخر في أحاديث الأنبياء عليهم الصلاة والسلام من روايته ، عن جده عبد الرحمن ، عن كعب بن عجرة . وفيه شعبة ، سمعت عبد الله بن عيسى ، عن الزهري ، وفي رواية الدارقطني من طريق النضر بن شميل ، عن شعبة ، عن عبد الله بن عيسى سمعت الزهري. وفيه ، وعن سالم هو من رواية الزهري ، عن سالم ، فهو موصول .

ذكر معناه :

قوله ( قالا ) أي : عائشة وعبد الله بن عمر .

قوله ( لم يرخص ) بضم الياء على صيغة المجهول ، كذا رواه الحفاظ من أصحاب شعبة ، وقوله ( يصمن ) على صيغة المجهول للجمع المؤنث ، أي : يصام فيهن ، فحذف الجار ، وأوصل الفعل إلى الضمير ، وقال بعضهم : ووقع في رواية يحيى بن سلام ، عن شعبة عند الدارقطني ، والطحاوي : رخص رسول الله صلى الله عليه وسلم للمتمتع إذا لم يجد الهدي أن يصوم أيام التشريق .

قلت : هذا لفظ الدارقطني ، ولفظ الطحاوي ليس كذلك ، قال : حدثنا محمد بن عبد الله بن عبد الحكم قال : حدثنا يحيى بن سلام قال : حدثنا شعبة ، عن ابن أبي ليلى ، عن الزهري ، عن سالم ، عن أبيه أن رسول الله صلى الله تعالى عليه وآله وسلم قال في المتمتع ، إذا لم يجد الهدي ولم يصم في العشر : إنه يصوم أيام التشريق . وذكر الطحاوي هذا في معرض الاحتجاج لمالك ، والشافعي ، وأحمد ، فإنهم قالوا : للمتمتع إذا لم يصم في أيام العشر لعدم الهدي يجوز له أن يصوم في أيام التشريق ، وكذا القارن والمحصر ، ثم احتج لأبي حنيفة وأصحابه بحديث علي رضي الله عنه قال : خرج منادي رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم في أيام التشريق ، فقال : إن هذه الأيام أيام أكل وشرب . وأخرجه بإسناد حسن ، وأخرجه النسائي ، وابن ماجه ، وأحمد ، والدارمي ، والطبراني ، والبيهقي بأطول منه . وفيه : إن هذه الأيام أيام أكل وشرب . وأخرج أيضا من حديث إسماعيل بن محمد بن سعد بن أبي وقاص ، عن أبيه ، عن جده قال : أمرني رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم أن أنادي أيام منى : إنها أيام أكل وشرب ، فلا صوم فيها . يعني أيام التشريق . وأخرجه أحمد في ( مسنده ) ، وأخرجه أيضا من حديث عطاء ، عن عائشة قالت : قال رسول الله : أيام التشريق أيام أكل وشرب . وأخرج أيضا من حديث سعيد بن أبي كثير أن جعفر بن المطلب ، أخبره أن عبد الله بن عمرو بن العاص دخل على عمرو بن العاص ، فدعاه إلى الغداء ، فقال : إني صائم ، ثم الثانية فكذلك ، ثم الثالثة فكذلك ، فقالا : لا إلا أن تكون سمعته من رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم ، قال : فإني سمعته من رسول الله صلى الله عليه وسلم . يعني النهي عن الصيام أيام التشريق .

وأخرج أيضا من حديث سليمان بن يسار ، عن عبد الله بن حذافة : أن النبي صلى الله عليه وسلم أمره أن ينادي في أيام التشريق : إنها أيام أكل وشرب . وإسناده صحيح ، وأخرجه الطبراني ، وأخرج أيضا من حديث عمر بن أبي سلمة ، عن أبيه ، عن أبي هريرة قال : قال رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم : أيام التشريق أيام أكل وشرب وذكر الله [ ص: 115 ] عز وجل . وأخرج أيضا من حديث أبي المليح الهذلي ، عن نبيشة الهذلي ، عن النبي صلى الله عليه وسلم مثله ، وأخرجه مسلم ، وأخرج أيضا من حديث عمرو بن دينار أن نافع بن جبير ، أخبره عن رجل من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم قال عمر ، وقد سماه نافع فنسيته : أن النبي صلى الله تعالى عليه وسلم قال لرجل من بني غفار ، يقال له بشر بن سحيم : قم فأذن في الناس أنها أيام أكل وشرب في أيام منى . وأخرجه النسائي ، وابن ماجه .

وأخرجه أيضا من حديث يزيد الرقاشي ، عن أنس بن مالك قال : نهى النبي صلى الله عليه وسلم عن صوم أيام التشريق الثلاثة بعد يوم النحر . وأخرجه أبو يعلى في ( مسنده ) من حديث يزيد الرقاشي ، عن أنس : أن رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم نهى عن صوم خمسة أيام من السنة : يوم الفطر ، ويوم النحر ، وأيام التشريق . وهذه حجة قوية لأصحابنا في حرمة الصوم في الأيام الخمسة .

وأخرج أيضا من حديث عبد الرحمن بن جبير ، عن معمر بن عبد الله العدوي قال : بعثني رسول الله صلى الله عليه وسلم أؤذن في أيام التشريق بمنى : لا يصومن أحد ، فإنها أيام أكل وشرب . وأخرجه أبو القاسم البغوي في ( معجم الصحابة ) ، وأخرج أيضا من حديث سليمان بن يسار ، وقبيصة بن ذؤيب يحدثان ، عن أم الفضل امرأة عباس بن عبد المطلب قالت : كنا مع رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم بمنى أيام التشريق ، فسمعت مناديا يقول : إن هذه الأيام أيام طعم وشرب وذكر لله . قالت : فأرسلت رسولا : من الرجل ومن أمره ، فجاءني الرسول ، فحدثني أنه رجل يقال له حذافة يقول : أمرني بها رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم .

وأخرج أيضا عمر بن خلدة الزرقي ، عن أمه قالت : بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم علي بن أبي طالب في أوسط أيام التشريق ، فنادى في الناس : لا تصوموا في هذه الأيام ، فإنها أيام أكل وشرب وبعال . وأخرجه ابن أبي شيبة في ( مسنده ) . وأخرج أيضا من حديث مسعود بن الحكم الزرقي قال : حدثتني أمي قالت : لكأني أنظر إلى علي بن أبي طالب رضي الله تعالى عنه على بغلة النبي صلى الله عليه وسلم البيضاء حين قام إلى شعب الأنصار ، وهو يقول : يا معشر المسلمين ، إنها ليست بأيام صوم إنها أيام أكل وشرب وذكر لله عز وجل . وأخرجه النسائي أيضا ، وأخرج أيضا من حديث مخرمة بن بكير ، عن أبيه قال : سمعت سليمان بن يسار يزعم أنه سمع ابن الحكم الزرقي يقول : حدثنا أبي أنهم كانوا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم فسمعوا راكبا ، وهو يصرخ : لا يصومن أحد ، فإنها أيام أكل وشرب . وابن الحكم هو مسعود بن الحكم ، وأبوه الحكم الزرقي ذكره ابن الأثير في الصحاب ، وأخرج أيضا من حديث يحيى بن سعيد أنه سمع يوسف بن مسعود بن الحكم الزرقي يقول : حدثتني جدتي .. فذكر نحوه . وجدته حبيبة بنت شريق .

وأخرج أيضا من حديث مسعود بن الحكم الأنصاري ، عن رجل من أصحاب النبي صلى الله تعالى عليه وسلم قال : أمر النبي صلى الله تعالى عليه وسلم عبد الله بن حذافة أن يركب راحلته أيام منى ، فيصيح في الناس : ألا لا يصومن أحد ، فإنها أيام أكل وشرب ، قال : فلقد رأيته على راحلته ينادي بذلك ، وأخرجه الدارقطني بإسناد ضعيف . وفي آخره : ألا إن هذه أيام عيد وأكل وشرب وذكر ، فلا يصومن إلا محصر أو متمتع لم يجد هديا ولم يصم في أيام الحج المتتابعة ، فليصمهن . فهذا الطحاوي أخرج أحاديث النهي عن الصوم في أيام التشريق عن ستة عشر نفسا من الصحابة ، وهذا هو الإمام الجهبذ صاحب اليد الطولى في هذا الفن .

وفي الباب حديث أم عمرو بن سليم عند أحمد ، وعقبة بن عامر عند الترمذي ، وحمزة بن عمرو الأسلمي عند الطبراني ، وكعب بن مالك عند أحمد ، ومسلم ، وعبد الله بن عمرو عند النسائي ، وعمرو بن العاص عند أبي داود ، وبديل بن ورقاء عند الطبراني ، وزيد بن خالد عند أبي يعلى الموصلي ، ولفظه : ألا إن هذه الأيام أيام أكل وشرب ونكاح . وجابر عند ..

ثم قال الطحاوي : فلما ثبت بهذه الآثار عن رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم النهي عن صيام أيام التشريق ، وكان نهيه عن ذلك بمنى ، والحاج مقيمون بها ، وفيهم المتمتعون والقارنون ، ولم يستثن منهم متمتعا ولا قارنا - دخل المتمتعون والقارنون في ذلك ، ثم أجاب عن حديثهم ، وهو حديث عبد الله بن عمران ، في إسناده يحيى بن سلام : أنه حديث منكر لا يثبته أهل العلم بالرواية لضعف يحيى بن سلام ، وابن أبي ليلى ، وفساد حفظهما ، والدارقطني أيضا ضعف يحيى بن سلام ، وابن أبي ليلى فيه مقال ، وكان يحيى بن سعيد يضعفه ، وعن أحمد : كان سيئ الحفظ مضطرب الحديث ، وعن أبي حاتم : يكتب حديثه ، ولا يحتج به .

فإن قلت : ابن أبي ليلى هو عبد الله بن عيسى بن عبد الرحمن [ ص: 116 ] ابن أبي ليلى ، وهو ثقة عند الكل .

قلت : ذكر الطحاوي ابن أبي ليلى بفساد حفظه وضعفه يدل على أنه محمد بن عبد الرحمن بن أبي ليلى إذ لو كان هو عبد الله بن عيسى لما ذكره هكذا ، على أنا نقول : قد قال ابن المديني : عبد الله بن عيسى بن أبي ليلى عندي منكر ، وكان يتشيع ، وأيضا فالحديث الذي فيه عبد الله بن عيسى ليس بمرفوع بخلاف الحديث الذي ذكره الطحاوي ، وقد اختلفوا في قول الصحابي : أمرنا بكذا ، ونهينا عن كذا ، هل له حكم الرفع ؟ على أقوال : ثالثها : إن أضافه إلى عهد النبي صلى الله عليه وسلم فله حكم الرفع ، وإلا فلا ، واختلف الترجيح فيما إذا لم يضفه ، ويلتحق به : رخص لنا في كذا أو عزم علينا أن لا نفعل كذا ، فالكل في الحكم سواء ، وقد حصل الجواب عن أثر عائشة ، وابن عمر عند ذكره عن عبد الله بن عيسى .

التالي السابق


الخدمات العلمية