صفحة جزء
174 ( وقال طاوس ومحمد بن علي وعطاء وأهل الحجاز: ليس في الدم وضوء ) .


طاوس هو ابن كيسان اليماني الحميري أحد الأعلام التابعين وخيار عباد الله الصالحين. قال يحيى بن معين: اسمه ذكوان، وسمي طاوسا لأنه كان طاوس القراء، ووصل أثره ابن أبي شيبة بإسناد صحيح عن عبيد الله بن موسى، عن حنظلة، عن طاوس أنه كان لا يرى في الدم السائل وضوء يغسل منه الدم ، ثم حبسه وهذا ليس بحجة لهم; لأنهم لا يرون العمل بفعل التابعي ولا هو حجة على الحنفية من وجهين: الأول أنه لا يدل على أن طاوسا كان يصلي والدم سائل، والثاني وإن سلمنا ذلك فالمنقول عن أبي حنيفة أنه كان يقول: التابعون رجال ونحن رجال يزاحموننا ونزاحمهم، والمعنى أن أحدا منهم إذا أدى [ ص: 52 ] اجتهاده إلى شيء لا يلزمنا الأخذ به، بل نجتهد كما اجتهد هو، فما أدى اجتهادنا إليه عملنا به وتركنا اجتهاده، وأما محمد بن علي فهو محمد بن الحسين بن علي بن أبي طالب رضي الله تعالى عنهم أجمعين الهاشمي المدني أبو جعفر المعروف بالباقر، سمي به لأنه بقر العلم أي شقه بحيث عرف حقائقه، وهو أحد الأعلام التابعين الأجلاء، وروي هذا موصولا في فوائد الحافظ أبي بشر المعروف بسمويه من طريق الأعمش قال: سألت أبا جعفر الباقر عن الرعاف فقال: لو سال نهر من دم ما أعدت منه الوضوء، وقال الكرماني : ويحتمل أن يكون محمد بن علي هذا محمد بن علي المشهور بابن الحنفية والظاهر الأول.

واعلم أن جميع ما ذكر في هذا الباب ليس بحجة على الحنفية، فإن كان من أقوال الصحابة، فكل واحد له تأويل ومحمل صحيح، وإن كان من قول التابعين فليس بحجة عليهم لما ذكرنا عن أبي حنيفة الآن، وأما عطاء فهو ابن أبي رباح، وأثره وصله عبد الرزاق، عن ابن جريج عنه.

قوله: وأهل الحجاز من عطف العام على الخاص; لأن طاوسا ومحمد بن علي وعطاء حجازيون وغير هؤلاء الثلاثة مثل سعيد بن المسيب وسعيد بن جبير والفقهاء السبعة من أهل المدينة، ومالك والشافعي وآخرون، وخالفهم أبو حنيفة، واستدل بما رواه الدارقطني إلا أن يكون دما سائلا، وهو مذهب جماعة من الصحابة والتابعين. قال أبو عمر: وبه قال الثوري والحسن بن حي وعبيد الله بن الحسن، والأوزاعي وأحمد بن حنبل وإسحاق بن راهويه، وإن كان الدم يسيرا غير خارج ولا سائل فإنه لا ينقض الوضوء عند جميعهم، وما أعلم أحدا أوجب الوضوء من يسير الدم إلا مجاهدا وحده.

التالي السابق


الخدمات العلمية