صفحة جزء
1980 لقوله تعالى: يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله وذروا ما بقي من الربا إن كنتم مؤمنين فإن لم تفعلوا فأذنوا بحرب من الله ورسوله وإن تبتم فلكم رءوس أموالكم لا تظلمون ولا تظلمون وإن كان ذو عسرة فنظرة إلى ميسرة وأن تصدقوا خير لكم إن كنتم تعلمون واتقوا يوما ترجعون فيه إلى الله ثم توفى كل نفس ما كسبت وهم لا يظلمون


"لقوله تعالى" وفي بعض النسخ: "لقول الله تعالى" اللام فيه للتعليل; لأن موكل الربا وآكلها آثمان; لأن الله تعالى نهى عنه بقوله: وذروا ما بقي من الربا فأمر الله عباده المؤمنين بتقواه ناهيا لهم عما يقربهم إلى سخطه ويبعدهم عن رضاه، فقال: يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله - أي خافوه وراقبوه فيما تفعلون - وذروا - أي اتركوا - ما بقي من الربا وغير ذلك، وقد ذكر زيد بن أسلم وابن جريج ومقاتل بن حيان والسدي أن هذا السياق نزل في بني عمرو بن عمير من ثقيف وبني المغيرة من بني مخزوم كان بينهم ربا في الجاهلية، فلما جاء الإسلام ودخلوا فيه طلب ثقيف أن يأخذه منهم فتشاجروا، وقال بنو المغيرة: لا نؤدي الربا في الإسلام، فكتب في ذلك عتاب بن أسيد نائب مكة إلى رسول الله - صلى الله تعالى عليه وسلم - فنزلت هذه الآية، فكتب بها رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إليه: يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله وذروا ما بقي من الربا إن كنتم مؤمنين فإن لم تفعلوا فأذنوا بحرب من الله ورسوله فقالوا: نتوب إلى الله، ونذر ما بقي من الربا، فتركه كلهم.

قوله: " فأذنوا بحرب من الله " قال ابن عباس: أي استيقنوا بحرب من الله ورسوله، وعن سعيد بن جبير قال: يقال يوم القيامة لآكل الربا: خذ سلاحك للحرب [ ص: 202 ] ثم قرأ: فإن لم تفعلوا فأذنوا بحرب من الله ورسوله وقال علي بن أبي طلحة، عن ابن عباس: " فإن لم تفعلوا فأذنوا بحرب من الله ورسوله " فمن كان مقيما على الربا لا ينزع منه، فحق على إمام المسلمين أن يستتيبه; فإن نزع وإلا ضرب عنقه، وقال ابن أبي حاتم: حدثنا علي بن الحسين، حدثنا محمد بن بشار، حدثنا عبد الأعلى، حدثنا هشام بن حسان، عن الحسن وابن سيرين أنهما قالا: والله إن هؤلاء الصيارفة لآكلة الربا، وإنهم قد آذنوا بحرب من الله ورسوله، ولو كان على الناس إمام عادل لاستتابهم; فإن تابوا وإلا وضع فيهم السلاح.

قوله: " وإن تبتم " أي عن الربا " فلكم رءوس أموالكم " من غير زيادة " لا تظلمون " بأخذ زيادة" ولا تظلمون " بوضع رؤوس الأموال، بل لكم ما بذلتم، من غير زيادة عليه ولا نقصان منه.

قوله: " وإن كان ذو عسرة " أي وإن كان الذي عليه الدين فقيرا " فنظرة " أي الواجب الانتظار إلى وقت الميسرة، لا كما كان أهل الجاهلية يقول أحدهم لمدينه إذا حل عليه الدين: إما أن تقضي وإما أن تربي، ثم ندب الله تعالى إلى الوضع عنه، وحرضه على ذلك الخير والثواب الجزيل بقوله: " وأن تصدقوا خير لكم " وروى الطبراني من حديث أبي أمامة أن أسعد بن زرارة قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "من سره أن يظله الله في ظله يوم لا ظل إلا ظله، فلييسر على كل معسر، أو ليضع عنه" وروى أحمد من حديث سليمان بن بريدة، عن أبيه قال: سمعت النبي - صلى الله عليه وسلم - يقول: "من أنظر معسرا فله بكل يوم مثله صدقة. ثم سمعته يقول: من أنظر معسرا فله بكل يوم مثلاه صدقة. قلت: سمعتك يا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - تقول: من أنظر معسرا فله بكل يوم مثله صدقة، ثم سمعتك تقول: من أنظر معسرا فله بكل يوم مثلاه صدقة؟ قال: له بكل يوم مثله صدقة قبل أن يحل الدين، فإذا حل الدين فأنظره، فله بكل يوم مثلاه صدقة" وروى الحاكم من حديث سهل بن حنيف أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: " من أعان مجاهدا في سبيل الله أو غازيا أو غارما في عسرته أو مكاتبا في رقبته، أظله الله في ظله يوم لا ظل إلا ظله " وقال: صحيح الإسناد، ولم يخرجاه.

والأحاديث في هذا الباب كثيرة.

قوله: " واتقوا يوما ترجعون فيه إلى الله " أي اتقوا عذاب يوم، ويجوز أن يكون على ظاهره; لأن يوم القيامة يوم مخوف.

قوله: " ترجعون فيه " أي تردون فيه "إلى الله" أي إلى حسابه وجزائه.

قوله: " ثم توفى كل نفس " أي تجازى كل نفس "بما كسبت" من الخير والشر " وهم لا يظلمون " لأن الله عادل لا ظلم عنده، لا يظلم عنده.

التالي السابق


الخدمات العلمية