صفحة جزء
2001 59 - حدثنا صدقة قال: أخبرنا عبد الوهاب قال: سمعت يحيى قال: سمعت نافعا، عن ابن عمر رضي الله عنهما، عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: إن المتبايعين بالخيار في بيعهما ما لم يتفرقا أو يكون البيع خيارا، قال نافع: وكان ابن عمر إذا اشترى شيئا يعجبه فارق صاحبه.


قد ذكرنا الآن أنه ليس في هذا الحديث ولا في الذي بعده بيان مقدار مدة الخيار، وليس فيهما إلا بيان ثبوت الخيار، وقال بعضهم: يحتمل أن يكون مراد البخاري بقوله: "كم يجوز الخيار" أي كم يخير أحد المتبايعين الآخر مرة، وأشار إلى ما في الطريق الآتية بعد ثلاثة أبواب من زيادة همام "ويختار ثلاث مرار" لكنه لما لم تكن الزيادة ثابتة أبقى الترجمة على [ ص: 226 ] الاستفهام كعادته. انتهى.

(قلت): هذا الاحتمال الذي ذكره لا يساعد البخاري في ذكره لفظة "كم" لأن موضوعها للعدد، والعدد في مدة الخيار، لا في تخيير أحد المتبايعين الآخر، وليس في حديثي الباب ما يدل على هذا، وقوله: "وأشار إلى زيادة همام" لا يفيد ; لأنه يعقد ترجمة، ثم يشير إلى ما تتضمنه الترجمة في باب آخر، وهذا مما لا يفيده.

ورجال الحديث كلهم ذكروا، وصدقة - بالفتحات - هو ابن الفضل المروزي، من أفراده، ومضى ذكره في باب العلم بالليل. وعبد الوهاب هو ابن عبد المجيد الثقفي، ويحيى بن سعيد الأنصاري.

والحديث أخرجه مسلم في البيوع أيضا عن محمد بن المثنى وابن أبي عمر، كلاهما عن عبد الوهاب. وأخرجه الترمذي فيه عن واصل بن عبد الأعلى. وأخرجه النسائي فيه، عن عمرو بن علي، عن الثقفي، وعن علي بن حجر.

(ذكر معناه):

قوله: "إن المتبايعين بالخيار" هكذا في رواية الأكثرين على الأصل، وحكى ابن التين عن القابسي "إن المتبايعان" قال: وهي لغة.

(قلت): هذه لغة بلحارث بن كعب في إجراء المثنى بالألف دائما. وفي رواية أيوب عن نافع في الباب الذي يليه "البيعان" بتشديد الياء آخر الحروف، وقد ذكرنا في (باب: إذا بين البائعان) أن البيع بمعنى البائع كالضيق بمعنى الضائق.

قوله: "ما لم يتفرقا" مضى الكلام فيه هناك مستوفى.

قوله: "أو يكون البيع خيارا" كلمة "أو" بمعنى إلا أن، و"يكون" بالنصب، أراد أن يكون البيع بخيار، وقال الترمذي: معناه أن يخير البائع المشتري بعد إيجاب البيع، فإذا خيره فاختار البيع فليس له بعد ذلك خيار في فسخ البيع وإن لم يتفرقا، ثم قال الترمذي: وهكذا فسره الشافعي وغيره.

(قلت): وممن فسره بذلك الثوري والأوزاعي وسفيان بن عيينة وإسحاق بن راهويه، حكاه ابن المنذر في (الأشراف) عنهم.

وقال شيخنا في (شرح الترمذي): وفي تأويل ذلك قولان:

أحدهما: أن المراد إلا بيعا شرط فيه خيار الشرط، فلا ينقضي الخيار بفراق المجلس، بل يمتد إلى انقضاء خيار الشرط.

والقول الثاني: أن المراد إلا بيعا شرط فيه نفي خيار المجلس; فإنه ينعقد في الحال وينقضي خيار المجلس.

قال: وهذا وجه لأصحابنا، والصحيح الذي ذكره الترمذي.

(قلت): روى الطحاوي حديث ابن عمر هذا، ولفظه: "البيعان بالخيار ما لم يتفرقا أو يقول أحدهما لصاحبه: اختر" وربما قال: "أو يكون بيع خيار" وقال أصحابنا: المعنى "كل بيعين فلا بيع بينهما حاصل إلا في صورتين، إحداهما عند التفرق، إما بالأقوال وإما بالأبدان، والأخرى عند وجود شرط الخيار لأحد المتبايعين بأن يشترط أحدهما الخيار ثلاثة أيام أو نحوها" وإلى هذا ذهب الليث وأبو ثور. وقالت طائفة: معنى هذا الكلام أن يقول أحد المتبايعين بعد تمام البيع لصاحبه: "اختر إنفاذ البيع أو فسخه" فإن اختار إمضاء البيع تم البيع بينهما، وإن لم يتفرقا، وإليه ذهب الثوري والأوزاعي، وروي ذلك عن الشافعي، وكان أحمد يقول: هما بالخيار أبدا، قالا هذا القول أو لم يقولا، حتى يتفرقا بأبدانهما من مكانهما.

قوله: "قال نافع" إلى آخره هو موصول بالإسناد المذكور، وإنما كان ابن عمر يفارق صاحبه ليلزم العقد، وقد ذكره مسلم أيضا، فقال: قال نافع: فكان - يعني ابن عمر - إذا بايع رجلا وأراد أن لا يقيله، قام فمشى هنيهة، ثم رجع إليه، وذكره الترمذي أيضا، فقال: قال - أي نافع -: كان ابن عمر إذا ابتاع بيعا وهو قاعد، قام؛ ليجب له.

التالي السابق


الخدمات العلمية