صفحة جزء
185 ( وأمر جرير بن عبد الله أهله أن يتوضئوا بفضل سواكه ) .


هذا الأثر غير مطابق للترجمة أصلا ، فإن الترجمة في استعمال فضل الماء الذي يفضل من المتوضئ ، والأثر هو الوضوء بفضل السواك ، ثم فضل السواك إن كان ما ذكره ابن التين وغيره : أنه هو الماء الذي ينتقع به السواك ، فلا مناسبة له للترجمة أصلا ; لأنه ليس بفضل الوضوء ، وإن كان المراد أنه الماء الذي يغمس فيه المتوضئ سواكه بعد الاستياك ، فكذلك لا يناسب الترجمة أصلا .

وقال بعضهم : أراد البخاري أن هذا الصنيع لا يغير الماء ، فلا يمنع التطهر به .

قلت : من له أدنى ذوق من الكلام لا يقول هذا الوجه في تطابق الأثر للترجمة .

وقال ابن المنير : إن قيل : ترجم على استعمال فضل الوضوء ، ثم ذكر [ ص: 74 ] حديث السواك والمجة ، فما وجهه ؟

قلت : مقصوده الرد على من زعم أن الماء المستعمل في الوضوء لا يتطهر به .

قلت : هذا الكلام أبعد من كلام ذلك القائل ، فأي دليل دل على أن الماء في خبر السواك والمجة فضل الوضوء ، وليس فضل الوضوء إلا الماء الذي يفضل من وضوء المتوضئ ، فإن كان لفظ فضل الوضوء عربيا فهذا معناه ، وإن كان غير عربي فلا تعلق له ها هنا .

وقال الكرماني : فضل السواك هو الماء الذي ينتقع فيه السواك ليترطب ، وسواكهم الأراك ، وهو لا يغير الماء .

قلت : بينت لك أن هذا كلام واه ، وأن فضل السواك لا يقال له فضل الوضوء ، وهذا لا ينكره إلا معاند ، ويمكن أن يقال بالجر الثقيل : إن المراد من فضل السواك هو الماء الذي في الظرف ، والمتوضئ يتوضأ منه ، وبعد فراغه من تسوكه عقيب فراغه من المضمضة يرمي السواك الملوث بالماء المستعمل فيه ، ثم أثر جرير المذكور وصله ابن أبي شيبة في ( مصنفه ) والدارقطني في ( سننه ) وغيرهما من طريق قيس بن أبي حازم عنه ، وفي بعض طرقه : كان جرير يستاك ويغمس رأس سواكه في الماء ، ثم يقول لأهله : توضئوا بفضله ، لا يرى به بأسا .

التالي السابق


الخدمات العلمية