صفحة جزء
185 51 - حدثنا آدم قال : حدثنا شعبة قال : حدثنا الحكم قال : سمعت أبا جحيفة يقول : خرج علينا رسول الله صلى الله عليه وسلم بالهاجرة ، فأتي بوضوء فتوضأ ، فجعل الناس يأخذون من فضل وضوئه فيتمسحون به ، فصلى النبي صلى الله عليه وسلم الظهر ركعتين ، والعصر ركعتين ، وبين يديه عنزة .


هذا الحديث يطابق الترجمة إذا كان المراد من قوله ( يأخذون من فضل وضوئه ) ما سال من أعضاء النبي عليه الصلاة والسلام ، وإن كان المراد منه الماء الذي فضل عنه في الوعاء فلا مناسبة أصلا .

بيان رجاله : وهم أربعة : الأول : آدم بن أبي إياس تقدم . الثاني : شعبة بن الحجاج كذلك ، والثالث : الحكم بفتح الحاء المهملة وفتح الكاف ، ابن عتيبة بضم العين وفتح التاء المثناة من فوق وسكون الياء آخر الحروف وفتح الباء الموحدة ، تقدم في باب السمر بالعلم . والرابع : أبو جحيفة بضم الجيم وفتح الحاء المهملة وسكون الياء آخر الحروف وبالفاء ، واسمه وهب بن عبد الله الثقفي الكوفي ، تقدم في باب كتابة العلم رضي الله تعالى عنه .

بيان لطائف إسناده : منها : أن فيه التحديث بصيغة الجمع والسماع .

ومنها : أن رواته ما بين عسقلاني ، وكوفي ، وواسطي .

ومنها : أنه من رباعيات البخاري .

ومنها : أن الحكم بن عتيبة ليس له سماع من أحد من الصحابة إلا أبا جحيفة ، وقيل : روى عن أبي أوفى أيضا .

بيان تعدد موضعه ، ومن أخرجه غيره :

أخرجه البخاري أيضا في الصلاة ، عن سليمان بن حرب ، وفي صفة النبي عليه الصلاة والسلام ، عن الحسن بن منصور ، وأخرجه مسلم في الصلاة عن محمد بن المثنى ، ومحمد بن بشار ، كلاهما عن غندر ، وعن زهير بن حرب ، وعن محمد بن حاتم ، كلاهما عن ابن مهدي ، خمستهم عن شعبة عنه به ، وأخرجه النسائي في الصلاة ، عن محمد بن المثنى ، ومحمد بن بشار به .

بيان اللغات والإعراب :

قوله ( بالهاجرة ) قال ابن سيده : الهجير ، والهجيرة ، والهجر ، والهاجرة - نصف النهار عند زوال الشمس مع الظهيرة ، وقيل : عند زوال الشمس إلى العصر ، وقيل في كل ذلك : إنه شدة الحر ، وهجر القوم وأهجروا وتهجروا - ساروا في الهجيرة ، وفي كتاب ( الأنواء الكبير ) لأبي حنيفة : الهاجرة بالصيف قبل الظهيرة بقليل أو بعدها بقليل ، يقال : أتيته بالهجر الأعلى وبالهاجرة العليا ، يريد في آخر الهاجرة ، والهويجرة قبل العصر بقليل ، والهجر مثله ، وسميت الهاجرة لهرب كل شيء منها ، ولم أسمع بالهاجرة في غير الصيف إلا في قول العجاج في ثور وحش طرده الكلاب في صميم البر :

ولى كمصباح الدجى المزهوره

كان من آخر الهجيره

قوم هجان هم بالمقدوره

وفي ( الموعب ) : أتيته بالهاجرة ، وعند الهاجرة ، وبالهجير ، وعند الهجير .

وفي ( المغيث ) : الهاجرة بمعنى المهجورة ; لأن السير يهجر فيها كماء دافق بمعنى مدفوق ، قاله الهروي ، وأما قوله عليه الصلاة والسلام : والمهجر كالمهدي بدنة - فالمراد التبكير إلى كل صلاة ، وعن الخليل : التهجير إلى الجمعة التبكير ، وهي لغة حجازية .

قوله ( فأتي بوضوء ) بفتح الواو ، وهو الماء الذي يتوضأ به .

قوله [ ص: 75 ] ( فيتمسحون به ) من باب التفعل ، وهو يأتي لمعان ، ومعناه ها هنا العمل ليدل على أن أصل الفعل حصل مرة بعد مرة نحو تجرعه ، أي شربه جرعة بعد جرعة ، والمعنى ها هنا كذلك ; لأن كل واحد منهم يمسح به وجهه ويديه مرة بعد أخرى ، ويجوز أن يكون للتكلف ; لأن كل واحد منهم لشدة الازدحام على فضل وضوئه كان يتعانى لتحصيله كتشجع ، وتصبر .

قوله ( عنزة ) بالتحريك أقصر من الرمح ، وأطول من العصا ، وفيه زج كزج الرمح .

وأما الإعراب فقوله " يقول " في محل النصب على أنه مفعول ثان لسمعت على قول من يقول : إن السماع يستدعي مفعولين ، والأظهر أنه حال .

قوله ( بالهاجرة ) الباء فيه ظرفية بمعنى في الهاجرة .

قوله ( يأخذونه ) في محل النصب ; لأنه خبر جعل الذي هو من أفعال المقاربة .

قوله ( عنزة ) مرفوع بالابتداء ، وخبره مقدم قوله ( بين يديه ) ، والجملة حالية .

بيان استنباط الأحكام : الأول : فيه الدلالة الظاهرة على طهارة الماء المستعمل إذا كان المراد أنهم كانوا يأخذون ما سال من أعضائه صلى الله عليه وسلم ، وإن كان المراد أنهم كانوا يأخذون ما فضل من وضوئه صلى الله عليه وسلم في الإناء ، فيكون المراد منه التبرك بذلك ، والماء طاهر ، فازداد طهارة ببركة وضع النبي عليه الصلاة والسلام يده المباركة فيه .

الثاني : فيه الدلالة على جواز التبرك بآثار الصالحين .

الثالث : فيه قصر الرباعية في السفر ; لأن الواقع كان في السفر ، وصرح في رواية أخرى أن خروجه صلى الله تعالى عليه وسلم هذا كان من قبة حمراء من أدم بالأبطح بمكة .

الرابع : فيه نصب العنزة ونحوها بين يدي المصلي إذا كان في الصحراء .

التالي السابق


الخدمات العلمية