صفحة جزء
2022 (باب بركة صاع النبي - صلى الله عليه وسلم - ومده)


أي هذا باب في بيان بركة صاع النبي - صلى الله عليه وسلم -.

قوله: "ومده" أي ومد النبي. وفي رواية النسفي " ومدهم" بصيغة الجمع، وكذا لأبي ذر عن غير الكشميهني، وبه جزم الإسماعيلي وأبو نعيم، وقال بعضهم: الضمير يعود للمحذوف في صاع النبي - صلى الله عليه وسلم - أي صاع أهل مدينة النبي - صلى الله عليه وسلم - ومدهم، ويحتمل أن يكون الجمع لإرادة التعظيم.

(قلت): هذا التعسف لأجل عود الضمير، والتقدير بصاع أهل مدينة النبي - صلى الله عليه وسلم - غير موجه ولا مقبول; لأن الترجمة في بيان بركة صاع النبي - صلى الله عليه وسلم - على الخصوص، لا في بيان صاع أهل المدينة.

ولأهل المدينة صيعان مختلفة، فروى ابن حبان في (صحيحه) من حديث أبي هريرة أن رسول الله [ ص: 248 ] - صلى الله عليه وسلم "قيل له: يا رسول الله، صاعنا أصغر الصيعان، ومدنا أكبر الأمداد، فقال: اللهم بارك لنا في صاعنا، وبارك لنا في قليلنا وكثيرنا، واجعل لنا مع البركة بركتين".

قال ابن حبان: وفي ترك المصطفى - صلى الله عليه وسلم - الإنكار عليهم حيث قالوا: صاعنا أصغر الصيعان - بيان واضح أن صاع المدينة أصغر الصيعان، وروى الدارقطني من حديث إسحاق بن سليمان الرازي قال: قلت لمالك بن أنس: يا أبا عبد الله، كم وزن صاع النبي - صلى الله عليه وسلم؟ قال: خمسة أرطال وثلث بالعراقي. وروى ابن أبي شيبة في (مصنفه) حدثنا يحيى بن آدم قال: سمعت حسن بن صالح يقول: صاع عمر رضي الله تعالى عنه ثمانية أرطال، وقال شريك: أكثر من سبعة أرطال وأقل من ثمانية، وروى البخاري في صحيحه، عن السائب بن يزيد قال: كان الصاع على عهد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - مدا وثلثا بمدكم اليوم، فزيد فيه في زمن عمر بن عبد العزيز رضي الله تعالى عنه، وروى الطحاوي عن ابن أبي عمر أنه قال: حدثنا علي بن صالح وبشر بن الوليد جميعا، عن أبي يوسف قال: قدمت المدينة فأخرج إلي من أثق به صاعا، فقال: هذا صاع النبي - صلى الله عليه وسلم - فقدرته، فوجدته خمسة أرطال وثلث رطل، ثم قال: إن مالكا سئل عن ذلك، فقال: هو تقدير عبد الملك لصاع عمر بن الخطاب رضي الله تعالى عنه، وروى الطحاوي أيضا من حديث إبراهيم قال: عبرنا الصاع فوجدنا حجاجيا، والحجاجي عندهم ثمانية أرطال بالبغدادي. انتهى.

وأيضا الأصل خلاف التقدير، وأيضا فلا ضرورة إليه.

وأما وجه الضمير في رواية "مدهم" فهو أن يعود إلى أهل المدينة، وإن لم يمض ذكرهم; لأن القرينة اللفظية تدل على ذلك، وهو لفظ الصاع والمد، ولأن أهل المدينة اصطلحوا على لفظ الصاع والمد، كما أن أهل العراق اصطلحوا على لفظ المكوك، قال عياض: المكوك مكيال أهل العراق يسع صاعا ونصف صاع بالمدني، وكما أن أهل مصر اصطلحوا على القدح والربع والويبة، وإذا ذكر الصاع والمد يتبادر أذهان الناس غالبا إلى أنهما لأجل المدينة.

التالي السابق


الخدمات العلمية