صفحة جزء
2072 قال سالم: وأخبرني عبد الله، عن زيد بن ثابت أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - رخص بعد ذلك في بيع العرية بالرطب أو بالتمر، ولم يرخص في غيره


هذا موصول بالإسناد المذكور، وسيأتي في آخر الباب أنه أفرد حديث زيد بن ثابت من طريق نافع عن ابن عمر، وقد ذكر في باب بيع الزبيب بالزبيب من وجه آخر عن نافع مضموما في سياق واحد، وأخرجه الترمذي ولم يفصل حديث ابن عمر من حديث زيد بن ثابت، وأشار إلى أنه وهم فيه، والصواب التفصيل.

قوله: "رخص بعد ذلك" أي: بعد النهي عن بيع التمر بالثمر في بيع العرايا، وقال بعضهم: وهذا من أصرح ما ورد في الرد على من حمل من الحنفية النهي عن بيع التمر بالثمر على عمومه ومنع أن يكون بيع العرايا مستثنى منه، وزعموا أنهما حكمان وردا في سياق واحد، وكذلك من زعم منهم كما حكاه ابن المنذر عنهم أن بيع العرايا منسوخ بالنهي عن بيع التمر بالثمر; لأن المنسوخ لا يكون إلا بعد الناسخ. انتهى.

قلت: إبقاء النهي على العموم أولى من إبطال شيء منه، ولا منع من أن يكون النهي عن بيع الثمر بالتمر وبيع العرايا حكمين واردين في سياق واحد، وعموم النهي ثابت بيقين، وقول زيد بن ثابت إنه - صلى الله تعالى عليه وسلم - رخص بعد ذلك لا يخرجه عن عمومه المتيقن; لأن معنى كلامه أن النبي - صلى الله تعالى عليه وسلم - أظهر بعد نهيه عن بيع التمر بالثمر أن بيع العرية رخصة لا أنه مستثنى منه، على أن العرية في الأصل عطية وهبة.

(فإن قلت): الرخصة لا دخل لها في العطايا والهبات، ولا تكون الرخصة إلا في شيء محرم، ولو كانت العرية رخصة لم يكن لقوله: "ورخص بعد ذلك في بيع العرية" فائدة ولا معنى.

(قلت): معنى الرخصة فيه أن الرجل إذا أعرى الرجل شيئا من ثمره فقد وعد أن يسلمه إليه ليملكه المسلم إليه بقبضه إياه، وعلى الرجل أن يفي بوعده، وإن كان غير مأخوذ به في الحكم، فرخص للمعري أن يحبس ما أعرى بأن يعطي المعرى خرصه تمرا بدلا منه من غير أن يكون إثما، ولا في حكم من أخلف موعدا، فهذا موضع الرخصة.

(فإن قلت): كيف سميت العرية بيعا؟

(قلت): سميت [ ص: 300 ] بذلك لتصورها بصورة البيع لا أن يكون بيعا حقيقة، ألا ترى أنه لم يملكها المعرى له لانعدام القبض، ولأنه لو كانت بيعا لكانت بيع التمر بالثمر إلى أجل، وأنه لا يجوز بلا خلاف، فدل ذلك على أن العرية المرخص فيها ليست ببيع حقيقة، بل هي عطية كما نص عليه أبو حنيفة في تفسيره العرية، ونقل ابن المنذر عن بعض الحنفية غير صحيح.

قوله: "بالرطب أو التمر" كلمة أو تحتمل أن تكون للتخيير وتحتمل أن تكون للشك، ولكن يؤيد كونها للتخيير ما رواه النسائي والطبراني من طريق صالح بن كيسان والبيهقي من طريق الأوزاعي، كلاهما عن الزهري بلفظ: "بالرطب وبالتمر ولم يرخص في غير ذلك" هكذا ذكره بالواو.

التالي السابق


الخدمات العلمية