صفحة جزء
2082 138 - ( وقال الليث عن أبي الزناد : كان عروة بن الزبير يحدث عن سهل بن أبي حثمة الأنصاري من بني حارثة ، أنه حدثه عن زيد بن ثابت - رضي الله تعالى عنه - قال : كان الناس في عهد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يتبايعون الثمار ، فإذا جذ الناس وحضر تقاضيهم قال المبتاع : إنه أصاب الثمر الدمان أصابه مراض أصابه قشام ، عاهات يحتجون بها ، فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لما كثرت عنده الخصومة في ذلك : "فإما لا فلا تتبايعوا حتى يبدو صلاح الثمر " ، كالمشورة يشير بها لكثرة خصومتهم ، قال : وأخبرني خارجة بن زيد بن ثابت أن زيد بن ثابت لم يكن يبيع ثمار أرضه حتى تطلع الثريا فيتبين الأصفر من الأحمر ) .


مطابقته للترجمة في قوله : " فلا تتبايعوا حتى يبدو صلاح الثمر والليث هو ابن سعد ، وأبو الزناد - بكسر الزاي وتخفيف النون - هو عبد الله بن ذكوان ، وهذا كما رأيت غير موصول . وأخرجه أبو داود .

حدثنا أحمد بن صالح قال : حدثنا عنبسة بن خالد قال : حدثني يونس قال : سألت أبا الزناد عن بيع الثمر قبل أن يبدو صلاحه وما ذكر في ذلك ، فقال : كان عروة بن الزبير يحدث عن سهل بن أبي حثمة عن زيد بن ثابت قال : كان الناس يتبايعون الثمار قبل أن يبدو صلاحها ، فإذا جذ الناس وحضر تقاضيهم قال المبتاع : قد أصاب الثمر الدمان وأصابه قشام وأصابه مراض ، عاهات يحتجون بها ، فلما كثرت خصومتهم عند [ ص: 3 ] النبي - صلى الله عليه وسلم - ، قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - كالمشورة يشير بها : "فأما لا فلا تتبايعوا الثمر حتى يبدو صلاحه " ; لكثرة خصومتهم واختلافهم ، وأخرجه البيهقي أيضا في سننه موصولا ، وأخرجه الطحاوي في معرض الجواب عن الأحاديث التي فيها النهي عن بيع الثمار حتى يبدو صلاحها التي احتجت بها الشافعية والمالكية والحنابلة ، حيث قالوا : لا يجوز بيع الثمار في رؤوس النخل حتى تحمر أو تصفر ، فقال الطحاوي : وقد قال قوم : إن النهي الذي كان من رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عن بيع الثمار حتى يبدو صلاحها لم يكن منه تحريم ذلك ، ولكنه على المشورة منه عليهم لكثرة ما كانوا يختصمون إليه فيه ، ورووا في ذلك عن زيد بن ثابت ، حدثنا محمد بن عبد الله بن عبد الحكم قال : حدثنا أبو زرعة وهب الله ، عن يونس بن زيد قال : قال أبو الزناد : كان عروة بن الزبير يحدث عن سهل بن أبي حثمة الأنصاري ، أنه أخبره أن زيد بن ثابت كان يقول : كان الناس في عهد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يتبايعون الثمار ، فإذا جذ الناس وحضر تقاضيهم قال المبتاع : إنه أصاب الثمر العفن والدمان وأصابه مراق . قال أبو جعفر : الصواب هو مراق وأصابه قشام عاهات يحتجون بها ، والقشام شيء يصيبه حتى لا يرطب ، قال : فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لما كثرت عنده الخصومة في ذلك : فلا تتبايعوا حتى يبدو صلاح الثمر . كالمشورة يشير بها لكثرة خصومتهم ، فدل ما ذكرنا أن أول ما روينا في أول هذا الباب عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - من نهيه - صلى الله عليه وسلم - عن بيع الثمار حتى يبدو صلاحها ، إنما كان على هذا المعنى لا على ما سواه .

( ذكر معناه ) قوله : من بني حارثة بالحاء المهملة والثاء المثلثة ، وفي هذا الإسناد رواية تابعي عن مثله ، عن صحابي عن مثله ، والأربعة مدنيون . قوله : في عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم ، أي : في زمنه وأيامه . قوله : فإذا جذ الناس بالجيم والذال المعجمة المشددة ، أي : فإذا قطعوا ثمر النخل ، ومنه الجذاذ وهو المبالغة في الأمر ، كذا في الرواية جذ على صيغة الثلاثي ، وفي رواية ابن ذر عن المستملي والسرخسي أجذ بزيادة ألف على صيغة الثلاثي المزيد فيه ، ومثله قال النسفي ، وقال ابن التين : أكثر الروايات أجذ ، قال : ومعناه دخلوا في زمن الجذاذ ، مثل أظلم دخل في الظلام ، وفي المحكم : جذ النخل يجذه جذا وجذاذا وجذاذا صرمه ، قوله : تقاضيهم بالضاد المعجمة ، يقال : تقاضيت ديني وبديني ، واستقضيته طلبت قضاه .

قوله : قال المبتاع ، أي : المشتري ، وهو من الصيغ التي يشترك فيها الفاعل والمفعول والفرق بالقرينة ، قوله : الدمان بفتح الدال المهملة وتخفيف الميم ، ضبطه أبو عبيد ، وضبط الخطابي بضم أوله ، وقال عياض : هما صحيحان والضم رواية القابسي ، والفتح رواية السرخسي ، قال : ورواها بعضهم بالكسر ، وذكره أبو عبيد عن ابن أبي الزناد بلفظ الأدمان ، زاد في أوله الألف وفتحها وفتح الدال ، وفسره أبو عبيد بأنه فساد الطلع وتعفنه وسواده ، وقال الأصمعي : الدمال باللام العفن ، وقال القزاز : الدمان فساد النخل قبل إدراكه ، وإنما يقع ذلك في الطلع ، يخرج قلب النخلة أسود معفونا ، ووقع في رواية يونس الدمار بالراء بدل النون ، وهو تصحيف ، قاله عياض ، ووجهه غيره بأنه أراد الهلاك ، كأنه قرأه بفتح أوله ، وفي التلويح وعند أبي داود في رواية ابن داسة : الدمار بالراء ، كأنه ذهب إلى الفساد المهلك لجميعه المذهب له ، وقال الخطابي : لا معنى له ، وقال الأصمعي : الدمال باللام في آخره التمر المتعفن ، وزعم بعضهم أنه فساد التمر وعفنه قبل إدراكه حتى تسود من الدمن ، وهو السرقين ، والذي في غريب الخطابي بالضم وكأنه الأشبه ; لأن ما كان من الأدواء والعاهات فهو بالضم : كالسعال ، والزكام ، والصداع .

قوله : أصابه مراض كذا هو بضم الميم عند الأكثر ، قاله الخطابي ، لأنه اسم لجميع الأمراض ، وفي رواية الكشميهني والنسفي : مراض بكسر الميم ، ويروى أصابه مرض ، قوله : قشام بضم القاف وتخفيف الشين المعجمة قال الأصمعي : هو أن ينتفض ثمر النخل قبل أن يصير بلحا ، وقيل : هو أكال يقع في الثمر ، وقال الطحاوي في روايته : والقشام شيء يصيبه حتى لا يرطب .

قوله : أصابه ثالثا بدل من أصابه ثانيا ، وهو بدل من الأول ، قوله : عاهات مرفوع على أنه خبر مبتدأ محذوف تقديره : هذه الأمور الثلاثة . عاهات أي : آفات وأمراض ، وهو جمع عاهة ، وأصلها عوهة قلبت الواو ألفا لتحركها وانفتاح ما قبلها ، وذكره الجوهري في الأجوف الواوي ، وقال : العاهة الآفة ، يقال : عيه الزرع وإيف ، وأرض معيوهة ، وأعاه القوم أصابت ماشيتهم العاهة ، وقال الأموي : أعوه القوم مثله ، قوله : يحتجون بها قال الكرماني : جمع لفظ يحتجون نظرا إلى أن لفظ المبتاع جنس [ ص: 4 ] صالح للقليل والكثير ، انتهى . قلت : فيه نظر لا يخفى ، وإنما جمعه باعتبار المبتاع ومن معه من أهل الخصومات بقرينة قوله : يتبايعون . قوله : فأما لا أصله فإن لا تتركوا هذه المبايعة ، فزيدت كلمة ما للتوكيد ، وأدغمت النون في الميم وحذف الفعل ، وقال الجواليقي : العوام يفتحون الألف والصواب كسرها ، وأصله أن لا يكون كذلك الأمر فافعل هذا ، وما زائدة ، وعن سيبويه : افعل هذا إن كنت لا تفعل غيره ، لكنهم حذفوا لكثرة استعمالهم إياه ، وقال ابن الأنباري : دخلت ما صلة كقوله - عز وجل - : ( فإما ترين من البشر أحدا ) ، فاكتفى بلا من الفعل كما تقول العرب : من سلم عليك فسلم عليه ، ومن لا . يعني ومن لا يسلم عليك فلا تسلم عليه ، فاكتفى بلا من الفعل ، وأجاز من أكرمني أكرمته ، ومن لا معناه : من لم يكرمني لم أكرمه . وقد أمالت العرب لا إمالة خفيفة ، والعوام يشبعون إمالتها فتصير ألفها ياء ، وهو خطأ ، ومعناه : إن لم يكن هذا فليكن هذا ، قيل : وإنما يجوز إمالتها لتضمنها الجملة ، وإلا فالقياس أن لا تمال الحروف . وقال التيمي : قد تكتب لا هذه بلام وياء وتكون لا ممالة ، ومنهم من يكتبها بالألف ويجعل عليها فتحة محرفة علامة للإمالة ، فمن كتب بالياء تبع لفظ الإمالة ، ومن كتب بالألف تبع أصل الكلمة .

قوله : حتى يبدو صلاح الثمر صلاح الثمر هو أن يصير إلى الصفة التي يطلب كونه على تلك الصفة ، وهو بظهور النضج والحلاوة ، وزوال العفوصة وبالتموه واللين وبالتلون وبطيب الأكل ، وقيل : هو بطلوع الثريا وهما متلازمان ، قوله : كالمشورة بفتح الميم وضم الشين المعجمة وسكون الواو على وزن فعولة ، ويقال بسكون الشين وفتح الواو على وزن مفعلة ، وقال ابن سيده : هي مفعلة لا مفعولة لأنها مصدر ، والمصادر لا تجيء على مثال مفعولة ، وقال الفراء : مشورة قليلة ، وزعم صاحب الثقيف والحريري في آخرين أن تسكين الشين وفتح الواو مما لحن فيه العامة ، ولكن الفراء نقله ، وهي مشتقة من "شرت العسل" إذا اجتنيته ، فكأن المستشير يجتني الرأي من المشير ، وقيل : أخذ من قولك : "شرت الدابة" ، إذا أجريتها مقبلة ومدبرة لتسبر جريها وتختبر جوهرها ، فكأن المستشير يستخرج الرأي الذي عند المشير ، وكلا الاشتقاقين متقارب معناه من الآخر ، والمراد بهذه المشورة أن لا يشتروا شيئا حتى يتكامل صلاح جميع هذه الثمرة لئلا تجري منازعة .

قوله وأخبرني ، أي : قال أبو الزناد : وأخبرني خارجة بن زيد بن ثابت ، وإنما قال بالواو عطفا على كلامه السابق ، وخارجة بالخاء المعجمة والجيم هو أحد الفقهاء السبعة ، قوله : حتى تطلع الثريا ، وهو مصغر الثروى وصار علما للنجم المخصوص ، والمعنى : حتى تطلع مع الفجر ، وقد روى أبو داود من طريق عطاء عن أبي هريرة مرفوعا : إذا طلع النجم صباحا رفعت العاهة عن كل بلد ، وفي رواية أبي حنيفة عن عطاء : رفعت العاهة من الثمار ، والنجم هو الثريا ، وطلوعها صباحا يقع في أول فصل الصيف ، وذلك عند اشتداد الحر في بلاد الحجاز وابتداء نضج الثمار ، والمعتبر في الحقيقة النضج وطلوع النجم علامة له ، وقد بينه في الحديث بقوله : "ويتبين الأصفر من الأحمر" .

التالي السابق


الخدمات العلمية