صفحة جزء
2087 143 - ( حدثنا عبد الله بن يوسف قال : أخبرنا مالك ، عن حميد ، عن أنس بن مالك - رضي الله عنه - أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - نهى عن بيع الثمار حتى تزهي ، فقيل له : وما تزهي ؟ قال : حتى تحمر ، فقال : أرأيت إذا منع الله الثمرة بم يأخذ أحدكم مال أخيه ) .


مطابقته للترجمة تؤخذ من قوله : " إن منع الله الثمرة ..." إلى آخره ; لأن الثمرة إذا أصابتها آفة ولم يقبضها المشتري تكون من ضمان البائع ، فإذا قبضها المشتري فهو من مال المشتري . وفي هذا الباب أقوال للعلماء وتفصيل ، فقال ابن قدامة في المغني الكلام في هذه المسألة على وجوه :

الأول : أن ما تهلكه الجائحة من الثمار من ضمان البائع في الجملة ، وبهذا قال أكثر أهل المدينة ، منهم يحيى بن سعيد الأنصاري ، ومالك ، وأبو عبيد ، وجماعة من أهل الحديث .

الثاني : أن الجائحة كل آفة لا صنع للآدمي فيها : كالريح ، والبرد ، والجراد ، والعطش .

الثالث : أن ظاهر المذهب أنه لا فرق بين قليل الجائحة وكثيرها ، إلا أن ما جرت العادة بتلف مثله كالشيء اليسير الذي لا ينضبط ، فلا يلتفت إليه .

وقال أحمد : إني لا أقول في عشر ثمرات وعشرين ثمرة لا أدري ما الثلث ، ولكن إذا كانت جائحة فوق الثلث أو الربع أو الخمس توضع ، ومنه رواية أخرى أن ما كان دون الثلث فهو من ضمان المشتري ، وبه قال مالك والشافعي في القديم ، لأنه لا بد أن يأكل الطائر منها وينثر الريح ويسقط منها ، فلم يكن بد من ضابط وحد فاصل بين هذا وبين الجائحة والثلث ، قد رأينا الشرع اعتبره في مواضع ، منها الوصية وعطايا المريض ، إذا ثبت هذا فإنه إذا تلف شيء له قدر خارج عن العادة ، وضع من الثمن بقدر الذاهب ، وإن تلف الجميع بطل العقد ويرجع المشتري بجميع الثمن ، وإن تلف البعض وكان الثلث ، فما زاد وضع بقسطه من الثمن ، وإن كان دونه لم يرجع بشيء ، وإن اختلفا في الجائحة أو في قدر ما أتلفت ، فالقول قول البائع ; لأن الأصل السلامة ، انتهى .

وقال جمهور السلف ، والثوري ، وأبو حنيفة ، وأبو يوسف ، ومحمد ، والشافعي في الجديد ، وأبو جعفر الطبري ، وداود وأصحابه : ما ذهب من الثمر المبيع الذي أصابته جائحة من شيء سواء كان قليلا أو كثيرا بعد قبض المشتري إياه - فهو ذاهب من مال المشتري ، والذي ذهب في يد البائع قبل قبض المشتري ، فذاك يبطل الثمن عن المشتري .

( ذكر معناه ) قوله : حتى تزهي بضم التاء من الإذهاء ، قال الخطابي : هذه الرواية هي الصواب ، ولا يقال في النخل : يزهو ، وإنما يقال : يزهي لا غير ورد عليه غيره ، فقال : زهي إذا طال واكتمل ، وأزهى إذا احمر واصفر ، قوله : فقيل له وما تزهي لم يسم السائل في هذه الرواية ولا المسؤول أيضا ، وقد رواه النسائي من طريق عبد الرحمن بن القاسم عن مالك بلفظ : " قيل يا رسول الله وما تزهي؟ قال : حتى تحمر " ، وهكذا أخرجه الطحاوي من طريق يحيى بن أيوب ، وأبو عوانة من طريق سليمان بن بلال ، كلاهما عن حميد ، وظاهره الرفع ، ورواه إسماعيل بن جعفر وغيره عن حميد موقوفا على أنس كما مضى في الباب الذي قبله .

قوله : فقال ، أي : رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ويروى : فقال رسول الله ، أرأيت أي : أخبرني ، قال أهل البلاغة : هو من باب الكناية حيث استفهم وأراد الأمر ، قوله : إذا منع الله الثمرة ... إلى آخره ، هكذا صرح مالك برفع هذه الجملة ، وتابعه محمد بن عباد عن الدراوردي عن حميد ، مقتصرا على هذه الجملة الأخيرة ، وجزم الدارقطني وغير واحد من الحفاظ بأنه أخطأ فيه ، وبذلك جزم ابن أبي حاتم في العلل عن أبيه وأبي زرعة ، والخطأ في رواية عبد العزيز من محمد بن عباد ، فقد رواه إبراهيم بن حمزة عن الدراوردي كرواية إسماعيل بن جعفر الآتي ذكرها ، ورواه معتمر بن سليمان وبشر بن المفضل عن حميد [ ص: 8 ] فقال فيه : "قال أفرأيت ..." إلى آخره ، قال : فلا أدري أنس قال : بم يستحل ، أو حدث به عن النبي - صلى الله عليه وسلم - ، أخرجه الخطيب في المدرج ، ورواه إسماعيل بن جعفر عن حميد ، فعطفه على كلام أنس في تفسير قوله "تزهي" ، وظاهره الوقف ، وأخرجه الجوزقي من طريق زيد بن هارون ، والخطيب من طريق أبي خالد الأحمر ، كلاهما عن حميد بلفظ قال : أرأيت إن منع الله الثمرة ... الحديث .

ورواه ابن المبارك وهشيم كما تقدم آنفا عن حميد ، فلم يذكرا هذا القدر المختلف فيه ، وتابعهما جماعة من أصحاب حميد عنه على ذلك ، قيل : وليس في جميع ما تقدم ما يمنع أن يكون التفسير مرفوعا ; لأن مع الذي رفعه زيادة علم عن ما عند الذي وقفه ، وليس في رواية الذي وقفه ما ينفي قول من رفعه ، قوله : " بم يأخذ أحدكم مال أخيه ، أي : بأي شيء يأخذ أحدكم مال أخيه إذا تلف الثمر ، لأنه إذا تلف الثمر لا يبقى للمشتري في مقابلة ما دفع شيء ، فيكون أخذ البائع بالباطل ، ويروى : "بم يستحل أحدكم مال أخيه" ، وفيه إجراء الحكم على الغالب ; لأن تطرق التلف إلى ما بدا صلاحه ممكن ، وعدم تطرقه إلى ما لم يبد صلاحه ممكن ، فأنيط الحكم في الغالب في الحالين .

التالي السابق


الخدمات العلمية