صفحة جزء
2104 وقال النبي صلى الله عليه وسلم لسلمان كاتب وكان حرا فظلموه وباعوه


مطابقته للترجمة من حيث إنه يعلم من قضية سلمان تقرير أحكام الحربي على ما كان عليه ، وسلمان هو الفارسي - رضي الله تعالى عنه - ، وقصته طويلة على ما ذكره ابن إسحاق وغيره ، وملخصها أنه هرب من أبيه لطلب الحق وكان مجوسيا ، فلحق براهب ، ثم براهب ، ثم بآخر ، وكان يصحبهم إلى وفاتهم ، حتى دله الأخير إلى الحجاز ، وأخبره بظهور رسول الله - صلى الله تعالى عليه وسلم - ، فقصده مع بعض الأعراب فغدروا به وباعوه في وادي القرى ليهودي ، ثم اشتراه منه يهودي آخر من بني قريظة ، فقدم به المدينة ، فلما قدم رسول الله - صلى الله تعالى عليه وسلم - ورأى علامات النبوة أسلم ، فقال له رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : " كاتب عن نفسك " ، عاش مائتين وخمسين سنة ، وقيل : مائتين وخمس وسبعين سنة ، ومات سنة ست وثلاثين بالمداين .

ثم هذا التعليق الذي علقه البخاري أخرجه ابن حبان في صحيحه ، والحاكم من حديث زيد بن صوحان عن سلمان ، وأخرجه أحمد والطبراني من حديث محمود بن لبيد عن سلمان قال : كنت رجلا فارسيا ... فذكر الحديث بطوله ، وفيه : ثم مر بي نفر من بني كلب تجار ، فحملوني معهم حتى إذا قدموا وادي القرى ظلموني فباعوني من رجل يهودي ... الحديث ، وفيه : فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : كاتب يا سلمان ، قال : فكاتب صاحبي على ثلاثمائة ودية ... الحديث ، وفي حديث الحاكم ما يدل أنه هو ملك رقبته لهم ، وعنده من حديث أبي الطفيل عن سلمان وصححه ، وفيه : فمر ناس من أهل مكة ، فسألتهم عن النبي - صلى الله تعالى عليه وسلم - فقالوا : نعم ، ظهر منا رجل يزعم أنه نبي ، فقلت لبعضهم : هل لكم أن أكون عبدا لبعضكم على أن تحملوني عقبة وتطعموني من الكسر ، فإذا بلغتم إلى بلادكم فمن شاء أن يبيع باع ، ومن شاء أن يستعبد استعبد ، فقال رجل منهم : أنا ، فصرت عبدا له حتى أتى بي مكة ، فجعلني في بستان له ... الحديث .

قوله : كاتب أمر من المكاتبة ، قوله : وكان حرا جملة وقعت حالا من قال لا من قوله : كاتب ، وقال الكرماني : فإن قلت : كيف أمره رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بالكتابة وهو حر ؟ قلت : أراد بالكتاب صورة الكتابة لا حقيقتها ، فكأنه قال : افد عن نفسك وتخلص من ظلمه ، انتهى . قلت : هذا السؤال غير وارد ، فلا يحتاج إلى الجواب : فكأن الكرماني اعتقد أن قوله : "وكان حرا" يعني في حال الكتابة ، فإنه في ذلك الوقت كان في ملك الذي اشتراه ; لأنه غلب عليه [ ص: 29 ] بعض الأعراب في وادي القرى فملكه بالقهر ، ثم باعه من يهودي واشترى منه يهودي آخر كما ذكرنا ، وقوله - صلى الله عليه وسلم - : "وكان حرا" إخبار منه بحريته في أول أمره قبل أن يخرج من دار الحرب ، والعجب من الكرماني أنه قال : قوله "وكان حرا" حال من قال ، يعني من قال النبي - صلى الله عليه وسلم - لا من قوله "كاتب" ، فكيف غفل عن هذا وسأل هذا السؤال الساقط ؟! ونظير ذلك ما قاله صاحب ( التوضيح ) ، ولكن ما هو في البعد مثل ما قاله الكرماني ، وهو أنه قال ( فإن قلت ) كيف جاز لليهودي ملك سلمان وهو مسلم ، فلا يجوز للكافر ملك مسلم ، قلت : أجاب عنه الطبري بأن حكم هذه الشريعة أن من غلب من أهل الحرب على نفس غيره أو ماله ، ولم يكن المغلوب على ذلك ممن دخل في الإسلام فهو ملك للغالب ، وكان سلمان حين غلب نفسه لم يكن مؤمنا ، وإنما كان إيمانه تصديق النبي - صلى الله تعالى عليه وسلم - إذا بعث ، مع إقامته على شريعة عيسى عليه الصلاة والسلام ، انتهى .

ويؤيد ما ذكره الطبري أنه - صلى الله عليه وسلم - لما قدم المدينة وسمع به سلمان فذهب إليه ببعض تمر يختبره : إن كان هو هذا النبي يقبل الهدية ويرد الصدقة ، فلما تحققه دخل في ذلك الوقت في الإسلام كما هو شرطه ، فلذلك أمره - صلى الله تعالى عليه وسلم - بالكتابة ، ليخرج من ملك مولاه اليهودي .

التالي السابق


الخدمات العلمية