صفحة جزء
2104 وسبي عمار وصهيب وبلال


مطابقته للترجمة من حيث إن أم عمار كانت من موالي بني مخزوم ، وكانوا يعاملون عمارا معاملة السبي ، فهذا هو الوجه هنا ; لأن عمارا ما سبي على ما نذكره ، وأما صهيب وبلال فباعهما المشركون على ما نذكره ، فدخلا في قوله في الترجمة شراء المملوك من الحربي ، وقال صاحب التوضيح : قوله : وسبي عمار وصهيب وبلال يعني أنه كان في الجاهلية يسبي بعضهم بعضا ، ويملكون بذلك ، انتهى .

قلت : هذا الكلام الذي لا يقرب قط من المقصود أخذه من صاحب التلويح ، وكون أهل الجاهلية سابين بعضهم بعضا لا يستلزم كون عمار ممن سبي ولا بلال ، وإنما كانا يعذبان في الله تعالى ، حتى خلصهما الله تعالى ببركة إسلامهما ، نعم سبي صهيب وبيع على يد المشركين ، وروي عن ابن سعد أنه قال : أخبرنا أبو عامر العقدي ، وأبو حذيفة موسى بن مسعود قالا : حدثنا زهير بن محمد ، عن عبد الله بن محمد بن عقيل ، عن حمزة بن صهيب ، عن أبيه قال : إني رجل من العرب من النمر بن قاسط ، ولكني سبيت ، سبتني الروم غلاما صغيرا بعد أن عقلت أهلي وقومي وعرفت نسبي ، وعن ابن سعد كان أباه من النمر بن قاسط ، وكان عاملا لكسرى ، فسبت الروم صهيبا لما غزت أهل فارس فابتاعه منهم عبد الله بن جدعان ، وقيل : هرب من الروم إلى مكة فحالف ابن جدعان ، فهذا يناسب الترجمة ; لأنه دخل في قوله : شراء المملوك من الحربي .

وأما بلال ، فإن ابن إسحاق ذكر في ( المغازي ) حدثني هشام بن عروة ، عن أبيه قال : مر أبو بكر - رضي الله تعالى عنه - بأمية بن خلف وهو يعذب بلالا ، فقال : ألا تتقي الله في هذا المسكين ، فقال : أنقذه أنت بما ترى ، فأعطاه أبو بكر غلاما أجلد منه وأخذ بلالا فأعتقه ، وقيل : غير ذلك ، فحاصل الكلام أنه أيضا يناسب الترجمة ; لأنه دخل في قوله : شراء المملوك من الحربي ، أما الشراء فإن أبا بكر قايض مولاه ، والمقايضة نوع من البيوع ، وأما كونه اشترى من الحربي ; لأن مكة في ذلك الوقت كانت دار الحرب وأهلها من أهل الحرب ، وأما عمار فإنه كان عربيا عنسيا بالنون والسين المهملة ما وقع عليه سباء ، وإنما سكن أبوه ياسر مكة وحالف بني مخزوم ، فزوجوه سمية بضم السين ، وهي من مواليهم ، أسلم عمار بمكة قديما وأبوه وأمه ، وكانوا ممن يعذب في الله - عز وجل - ، فمر بهم النبي - صلى الله تعالى عليه وسلم - وهم يعذبون ، فقال : "صبرا آل ياسر ، فإن موعدكم الجنة" ، وقيل : أبو جهل سمية طعنها بحربة في قبلها ، فكانت أول شهيد في الإسلام ، وقال مسدد : لم يكن أحد أبواه مسلمان غير عمار بن ياسر ، وليس له وجه في دخوله في الترجمة إلا بتعسف كما ذكرناه ، وقال الكرماني : قوله : سبي ، أي : أسر ولم يذكر شيئا غيره ; لأنه لم يجد شيئا يذكره ، على أن السبي هل يجيء بمعنى الأسر ؟ فيه كلام .

التالي السابق


الخدمات العلمية