صفحة جزء
( باب أمر النبي - صلى الله عليه وسلم - اليهود ببيع أرضيهم ودمنهم حين أجلاهم فيه المقبري عن أبي هريرة رضي الله عنه )


أي هذا باب في بيان أمر النبي - صلى الله عليه وسلم - اليهود في بيع أرضيهم ، كذا وقع في رواية أبي ذر بفتح الراء وكسر الضاد المعجمة ، وفيه شذوذان ، أحدهما أنه جمع سلامة وليس من العقلاء ، والآخر أنه لم يبق مفرده سالما لتحريك الراء .

قوله : حين أجلاهم ، أي : من المدينة . قوله : فيه المقبري ، أي : في أمره - صلى الله عليه وسلم - اليهود حديث سعيد المقبري ، بفتح الباء وضمها ، وجاء الكسر أيضا ، وأشار البخاري بهذا إلى ما أخرجه في الجهاد في باب إخراج اليهود من جزيرة العرب ، عن سعيد المقبري ، عن أبي هريرة قال : بينا نحن في المسجد إذ خرج علينا النبي - صلى الله عليه وسلم - ، فقال : انطلقوا إلى اليهود ، وفيه فقال : إني أريد أن أجليكم، فمن وجد منكم بماله شيئا فليبعه ، وإلا فاعلموا أن الأرض لله ورسوله ، قال ابن إسحاق : فسألوا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أن يجليهم ويكف عن دمائهم ، على أن لهم ما حملت الإبل من أموالهم لا الحلقة ، فاحتملوا ذلك وخرجوا إلى خيبر ، وخلوا الأموال لرسول الله - صلى الله عليه وسلم - ، فكانت له خاصة يضعها حيث يشاء ، فقسمها سيدنا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - على المهاجرين ، وهؤلاء اليهود الذين أجلاهم هم بنو النضير ، وذلك أنهم أرادوا الغدر برسول الله - صلى الله عليه وسلم - ، وأن يلقوا عليه حجرا ، فأوحى الله تعالى إليه بذلك فأمره بإجلائهم ، وأمرهم أن يسيروا حيث شاءوا ، فلما سمع المنافقون بذلك بعثوا إلى بني النضير : اثبتوا وتمتعوا ، فإنا لم نسلمكم ، إن قوتلتم قاتلنا معكم ، وإن خرجتم خرجنا معكم ، فلم يفعلوا ، وقذف الله في قلوبهم الرعب ، فسألوا رسول الله - صلى الله تعالى عليه وآله وسلم - أن يجليهم ويكف عن دمائهم ، فأجابهم بما ذكرناه .

فإن قلت : هذا يعارض حديث سعيد المقبري عن أبي هريرة ; لأن فيه أن النبي - صلى الله عليه وسلم - أمرهم ببيع أرضيهم ، قلت : أمره بذلك كان قبل أن يكونوا حربا ، ثم أطلعه الله على الغدر منهم ، وكان قبل ذلك أمرهم ببيع أرضيهم وإجلائهم ، فلم يفعلوا لأجل قول المنافقين لهم : اثبتوا ، فعزموا على مقاتلته - صلى الله عليه وسلم - فصاروا حربا ، فحلت بذلك دماؤهم وأموالهم ، فخرج إليهم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وأصحابه في السلاح وحاصرهم ، فلما يئسوا من عون المنافقين ألقى الله في قلوبهم الرعب ، وسألوا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - الذي كان عرض عليهم قبل ذلك ، فلم يبح لهم بيع الأرض ، وقاضاهم أن يجليهم ويحملوا ما استقلت به الإبل على أن يكف عن دمائهم وأموالهم ، فجلوا عن ديارهم وكفى الله المؤمنين القتال ، وكانت أرضهم وأموالهم مما لم يوجف عليها بقتال ، فصارت خالصة لرسول الله - صلى الله عليه وسلم - يضعها حيث يشاء .

وقال ابن إسحاق : ولم يسلم من بني النضير إلا رجلان أسلما على أموالهما فأحرزاها ، قال : ونزلت في بني النضير سورة الحشر إلى قوله تعالى : ولولا أن كتب الله عليهم الجلاء الآية ، وقال الكرماني : فإن قلت : لم عبر عما رواه بهذه العبارة ولم يذكر [ ص: 44 ] الحديث بعينه ؟ قلت : لأن الحديث لم يثبت على شرطه ، انتهى . ورد عليه بعضهم بأنه غفلة منه ; لأنه غفل عن الإشارة إلى هذا الحديث ، غاية ما في الباب أنه اكتفى هنا بالإشارة إليه لاتحاد مخرجه عنده ، ففر من تكراره على صورته بغير فائدة زائدة ، كما هو الغالب من عادته ، انتهى .

قلت : التكرار حاصل على ما لا يخفى ، مع أن ذكر هذا لا دخل له في كتاب البيوع ، ولهذا سقط هذا في بعض النسخ .

التالي السابق


الخدمات العلمية