صفحة جزء
2126 2 - حدثنا صدقة قال : أخبرنا ابن عيينة قال : أخبرنا ابن أبي نجيح ، عن عبد الله بن كثير ، عن أبي المنهال ، عن ابن عباس - رضي الله عنهما - قال : قدم النبي - صلى الله عليه وسلم - المدينة وهم يسلفون بالتمر السنتين والثلاث ، فقال : من أسلف في شيء ففي كيل معلوم ووزن معلوم إلى أجل معلوم .


مطابقته للترجمة في قوله : ووزن معلوم وهذا طريق آخر في الحديث المذكور فيه روايته عن صدقة بن الفضل المروزي ، وهو من أفراده ، يروى عن سفيان بن عيينة ، عن عبد الله بن أبي نجيح ، عن عبد الله بن كثير ، عن أبي المنهال عبد الرحمن عن ابن عباس ، وقد مر الكلام فيه فيما مضى ، وفيه زيادة ، وهي قوله : إلى أجل معلوم ، وهذا يدل على أن السلم الحال لا يجوز ، وعند الشافعي يجوز كالمؤجل ، فإن صرح بحلول أو تأجيل فذاك ، وأن أطلق فوجهان ، وقيل قولان أصحهما عند الجمهور : يصح ويكون حالا ، والثاني : لا ينعقد . ولو صرحا الأجل في نفس العقد ، ثم أسقطاه في المجلس سقط وصار العقد حالا .

وقوله : إلى أجل من جملة شروط صحة السلم ، وهو حجة على الشافعي ومن معه في عدم اشتراط الأجل ، وهو مخالفة للنص الصريح ، والعجب من الكرماني حيث يقول : ليس ذكر الأجل في الحديث لاشتراط الأجل لصحة السلم الحال ; لأنه إذا جاز مؤجلا مع الغرر ، فجواز الحال أولى ; لأنه أبعد من الغرر ، بل معناه إن كان أجل فليكن معلوما كما أن الكيل ليس بشرط ولا الوزن ، بل يجوز في الثياب بالذرع ، وإنما ذكر الكيل أو الوزن بمعنى أنه إن أسلم في مكيل أو موزون فليكونا معلومين ، انتهى .

قلت : هذا كلام مخالف لقوله - صلى الله عليه وسلم - : إلى أجل معلوم ; لأن معناه فليسلم فيما جاز السلم فيه إلى أجل معلوم ، وهذا قيد والقيد شرط ، وكلامه هذا يؤدي إلى إلغاء ما قيده الشارع من الأجل المعلوم ، فكيف يقول مع الغرر ، ولا غرر هاهنا أصلا ؟! لأن الأجل إذا كان معلوما فمن أين يأتي الغرر ، والمذكور الأجل المعلوم ، والمعلوم صفة الأجل ، فكيف يشترط قيد الصفة ولا يشترط قيد الموصوف ؟!

وقوله : "كما أن الكيل ليس بشرط ولا الوزن" ، قلنا : معناه أن المسلم فيه لا يشترط أن يكون من المكيلات خاصة ، ولا من الموزونات خاصة ، كما ذهب إليه ابن حزم بظاهر الحديث ، يعني لا ينحصر السلم فيهما ، بل معناه أن المسلم فيه إذا كان من المكيلات لا بد من إعلام قدر رأس المسلم فيه ، وذلك لا يكون إلا بالكيل في المكيلات ، والوزن في الموزونات ، وكون الكيل معلوما شرط ، وليس معناه أن السلم فيما لا يكال غير صحيح حتى يقال بل يجوز في الثياب بالذرع ، وفي الثياب أيضا لا يجوز إلا إذا كان ذرعها معلوما وصفتها معلومة وضبطها ممكنا . وقال الخطابي : المقصود منه أن يخرج المسلم فيه من حد الجهالة ، حتى إن أسلف فيما أصله الكيل بالوزن جاز .

قلت : قد ذكرنا أنه لا يجوز في أحد الوجهين عند الشافعية ، ولا ينبغي أن يورد الكلام على الإطلاق ، ثم إنهم اختلفوا في حد الأجل ، فقال ابن حزم : الأجل ساعة فما فوقها . وعند بعض أصحابنا لا يكون أقل من نصف يوم ، وعند بعضهم لا يكون أقل من ثلاثة أيام ، وقالت المالكية : يكره أقل من يومين ، وقال الليث : خمسة عشر يوما .

التالي السابق


الخدمات العلمية