صفحة جزء
199 65 - حدثنا أصبغ بن الفرج المصري ، عن ابن وهب قال : حدثني عمرو قال : حدثنا أبو النضر ، عن أبي سلمة بن عبد الرحمن ، عن عبد الله بن عمر ، عن سعد بن أبي وقاص ، عن النبي صلى الله عليه وسلم : أنه مسح على الخفين . وأن عبد الله بن عمر سأل عمر عن ذلك ، فقال : نعم ، إذا حدثك شيئا سعد ، عن النبي صلى الله عليه وسلم فلا تسأل عنه غيره .


مطابقة الحديث للترجمة ظاهرة .

بيان رجاله :

وهم سبعة : الأول : أصبغ ، بفتح الهمزة ، وسكون الصاد المهملة ، وفتح الباء الموحدة ، وفي آخره غين معجمة أبو عبد الله بن الفرج بالجيم ، الثقة القرشي المصري ، مات سنة ست وعشرين ومائتين ، كان متضلعا بالفقه والنظر .

الثاني : عبد الله بن وهب القرشي المصري ، ولم يكن في المصريين أحد أكثر حديثا منه ، وأصبغ كان وراقا له ، مر في باب من يرد الله به خيرا يفقهه في الدين .

الثالث : عمرو بالواو ، ابن الحارث أبو أمية المؤدب الأنصاري المصري القارئ الفقيه ، مات بمصر سنة ثمان وأربعين ومائة .

الرابع : أبو النضر ، بفتح النون وسكون الضاد المعجمة ، سالم بن أبي أمية القرشي المدني مولى عمر بن عبد الله التيمي وكاتبه ، مات سنة تسع وعشرين ومائة .

الخامس : أبو سلمة بفتح اللام ، عبد الله بن عبد الرحمن بن عوف القرشي الفقيه المدني ، مر في كتاب الوحي .

السادس : عبد الله بن عمر بن الخطاب .

السابع : سعد بن أبي وقاص ، مر في باب إذا لم يكن الإسلام على الحقيقة .

[ ص: 97 ] بيان لطائف إسناده : منها : أن فيه التحديث بصيغة الجمع ، وبصيغة الإفراد ، والعنعنة .

ومنها : أن فيه ثلاثة من رواته مصريون ، وهم أصبغ ، وابن وهب ، وعمرو ، وثلاثة مدنيون ، وهم أبو النضر ، وأبو سلمة ، وابن عمر .

ومنها : أن فيه رواية تابعي ، عن تابعي أبو النصر ، عن أبي سلمة .

ومنها : أن فيه رواية صحابي ، عن صحابي .

ومنها : أن معظم الرواة قرشيون فقهاء أعلام .

ومنها : أن هذا من مسند سعد بحسب الظاهر ، وكذا جعله أصحاب الأطراف ، ويحتمل أن يكون من مسند عمر أيضا .

وقال الدارقطني : رواه أبو أيوب الإفريقي ، عن أبي النضر ، عن أبي سلمة ، عن ابن عمر ، عن عمر ، وسعد ، عن النبي صلى الله عليه وسلم ، ثم قال الدارقطني : والصواب قول عمرو بن الحارث ، عن أبي النضر ، عن أبي سلمة ، عن ابن عمر ، عن سعد .

بيان من أخرجه غيره : لم يخرجه البخاري إلا ها هنا ، وهو من أفراده ، ولم يخرج مسلم في المسح إلا لعمر بن الخطاب رضي الله تعالى عنه .

وأخرجه النسائي أيضا في الطهارة ، عن سليمان بن داود ، والحارث بن مسكين ، كلاهما عن ابن وهب به .

بيان المعنى ، والإعراب :

قوله ( وأن عبد الله بن عمر ) عطف على قوله ( عن عبد الله بن عمر ) ، فيكون موصولا إن حمل على أن أبا سلمة سمع ذلك من عبد الله ، وإلا فأبو سلمة لم يدرك القصة ، وعن ذلك قال الكرماني : وهذا إما تعليق من البخاري ، وإما كلام أبي سلمة ، والظاهر هو الثاني .

قوله ( عن ذلك ) أي : عن مسح رسول الله صلى الله عليه وسلم على الخفين .

قوله ( شيئا ) نكرة عام ; لأن الواقع في سياق الشرط كالواقع في سياق النفي في إفادة العموم ، وقوله ( حدثك ) جملة من الفعل والمفعول ، وقوله ( سعد ) بالرفع ، فاعله قوله ( فلا تسأل عنه ) أي عن الشيء الذي حدثه سعد .

قوله ( غيره ) أي غير سعد ، وذلك لقوة وثوقه بنقله .

بيان استنباط الأحكام : الأول : فيه جواز المسح على الخفين ، ولا ينكره إلا المبتدع الضال ، وقالت الخوارج : لا يجوز .

وقال صاحب ( البدائع ) : المسح على الخفين جائز عند عامة الفقهاء وعامة الصحابة ، إلا شيئا روي عن ابن عباس أنه لا يجوز ، وهو قول الرافضة ، ثم قال : وروي عن الحسن البصري أنه قال : أدركت سبعين بدريا من الصحابة كلهم يرى المسح على الخفين ، ولهذا رآه أبو حنيفة من شرائط أهل السنة والجماعة ، فقال : نحن نفضل الشيخين ، ونحب الختنين ، ونرى المسح على الخفين ، ولا نحرم نبيذ الجر ، يعني المثلث ، وروي عنه أنه قال : ما قلت بالمسح حتى جاءني مثل ضوء النهار ، فكان الجحود ردا على كبار الصحابة رضي الله تعالى عنهم ، ونسبته إياهم إلى الخطإ ، فكان بدعة ، ولهذا قال الكرخي : أخاف الكفر على من لا يرى المسح على الخفين ، والأمة لم تختلف أن رسول الله صلى الله عليه وسلم مسح .

وقال البيهقي : وإنما جاء كراهة ذلك عن علي ، وابن عباس ، وعائشة رضي الله تعالى عنهم . فأما الرواية عن علي : سبق الكتاب بالمسح على الخفين ، فلم يرو ذلك عنه بإسناد موصول يثبت مثله . وأما عائشة فثبت عنها أنها أحالت بعلم ذلك على علي رضي الله تعالى عنه . وأما ابن عباس فإنما كرهه حين لم يثبت مسح النبي صلى الله تعالى عليه وسلم بعد نزول المائدة ، فلما ثبت رجع إليه .

وقال الجوزقاني في ( كتاب الموضوعات ) : إنكار عائشة غير ثابت عنها .

وقال الكاشاني : وأما الرواية عن ابن عباس فلم تصح ; لأن مداره على عكرمة . وروي أنه لما بلغ عطاء قال : كذب عكرمة ، وروي عن عطاء أنه قال : كان ابن عباس يخالف الناس في المسح على الخفين ، فلم يمت حتى تابعهم .

وفي ( المغني ) لابن قدامة : قال أحمد : ليس في قلبي من المسح شيء ، فيه أربعون حديثا عن أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم ، ما رفعوا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وما لم يرفعوا ، وروي عنه أنه قال : المسح أفضل - يعني من الغسل - لأن النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه إنما طلبوا الفضل ، وهذا مذهب الشعبي ، والحكم ، وإسحاق .

وفي ( هداية الحنفية ) : الأخبار فيه مستفيضة حتى إن من لم يره كان مبتدعا ، لكن من رآه ثم لم يمسح أخذ بالعزيمة وكان مأجورا .

وحكى القرطبي مثل هذا عن مالك أنه قال عند موته ، وعن مالك فيه أقوال : أحدها : أنه لا يجوز المسح أصلا .

الثاني : أنه يجوز ، ويكره .

الثالث ، وهو الأشهر : يجوز أبدا بغير توقيت .

الرابع : أنه يجوز بتوقيت .

الخامس : يجوز للمسافر دون الحاضر .

السادس : عكسه .

وقال إسحاق ، والحكم ، وحماد : المسح أفضل من غسل الرجلين ، وهو قول الشافعي ، وإحدى الروايتين عن أحمد .

وقال ابن المنذر : هما سواء ، وهو رواية عن أحمد .

وقال أصحاب الشافعي : الغسل أفضل من المسح بشرط أن لا يترك المسح رغبة عن السنة ، ولا يشك في جوازه .

وقال ابن عبد البر : لا أعلم أحدا من الفقهاء روي عنه إنكار المسح إلا مالكا ، والروايات الصحاح عنه بخلاف ذلك .

قلت : فيه نظر لما في ( مصنف ) ابن أبي شيبة : من أن مجاهدا ، وسعيد بن جبير ، وعكرمة كرهوه ، وكذا حكى أبو الحسن النسابة عن محمد بن علي بن الحسين ، وأبي إسحاق السبيعي ، وقيس بن الربيع ، وحكاه القاضي أبو الطيب ، عن [ ص: 98 ] أبي بكر بن أبي داود ، والخوارج ، والروافض .

وقال الميموني ، عن أحمد : فيه سبعة وثلاثون صحابيا . وفي رواية الحسن بن محمد عنه : أربعون . وكذا قاله البزار في ( مسنده ) . وقال ابن أبي حاتم : أحد وأربعون صحابيا .

وفي ( الأشراف ) عن الحسن : حدثني به سبعون صحابيا .

وقال أبو عمر بن عبد البر : مسح على الخفين سائر أهل بدر ، والحديبية ، وغيرهم من المهاجرين ، والأنصار ، وسائر الصحابة ، والتابعين ، وفقهاء المسلمين . وقد أشرنا إلى رواية ست وخمسين من الصحابة في المسح في شرحنا ( لمعاني الآثار ) للطحاوي ، فمن أراد الوقوف عليه ، فليرجع إليه .

الثاني : فيه تعظيم لسعد بن أبي وقاص رضي الله تعالى عنه .

الثالث : فيه أن الصحابي القديم الصحبة قد يخفى عليه من الأمور الجليلة في الشرع ما يطلع عليه غيره ; لأن ابن عمر رضي الله تعالى عنهما أنكر المسح على الخفين مع قدم صحبته وكثرة روايته .

الرابع : فيه أن خبر الواحد إذا حف بالقرائن يفيد اليقين ، وقد تكاثرت الروايات بالطرق المتعددة من الصحابة الذين كانوا لا يفارقون النبي صلى الله عليه وسلم في الحضر ولا في السفر ، فجرى ذلك مجرى التواتر .

وحديث المغيرة كان في غزوة تبوك ، فسقط به قول من يقول : آية الوضوء مدنية ، والمسح منسوخ بها ; لأنه متقدم ، إذ غزوة تبوك آخر غزوة كائنة لرسول الله صلى الله عليه وسلم ، والمائدة نزلت قبلها ، ومما يدل على أن المسح غير منسوخ حديث جرير رضي الله تعالى عنه : أنه رأى النبي صلى الله عليه وسلم مسح على الخفين ، وهو أسلم بعد المائدة ، وكان القوم يعجبهم ذلك ، وأيضا فإن حديث المغيرة في المسح كان في السفر ، فيعجبهم استعمال جرير له في الحضر .

وقال النووي : لما كان إسلام جرير متأخرا علمنا أن حديثه يعمل به ، وهو مبين أن المراد بآية المائدة غير صاحب الخف ، فتكون السنة مخصصة للآية .

الخامس : فيه دليل على أنهم كانوا يرون نسخ السنة بالقرآن . قاله الخطابي .

التالي السابق


الخدمات العلمية