صفحة جزء
206 72 - حدثنا عبد الله بن يوسف قال : أخبرنا مالك ، عن يحيى بن سعيد ، عن بشير بن يسار مولى بني حارثة : أن سويد بن النعمان أخبره : أنه خرج مع رسول الله صلى الله عليه وسلم عام خيبر ، حتى إذا كانوا بالصهباء ، وهي أدنى خيبر ، فصلى العصر ثم دعا بالأزواد ، فلم يؤت إلا بالسويق ، فأمر به فثري ، فأكل رسول الله صلى الله عليه وسلم وأكلنا ، ثم قام إلى المغرب فمضمض ومضمضنا ، ثم صلى ولم يتوضأ .


مطابقة الحديث للترجمة ظاهرة .

بيان رجاله :

وهم خمسة : الثلاثة الأول تكرر ذكرهم ، ويحيى بن سعيد الأنصاري ، وبشير بضم الباء الموحدة ، وفتح الشين المعجمة ، ابن يسار بفتح الياء آخر الحروف ، كان شيخا كبيرا فقيها أدرك عامة الصحابة ، وسويد بضم السين المهملة وفتح الواو وسكون الياء آخر الحروف ، ابن النعمان بضم النون الأنصاري الأوسي المدني من أصحاب بيعة الرضوان ، روي له سبعة أحاديث ، للبخاري منها حديث واحد ، وهو هذا الحديث .

بيان لطائف إسناده : منها أن فيه التحديث بصيغة الجمع ، والإخبار كذلك ، والعنعنة .

ومنها : أن رواته كلهم مدنيون إلا شيخ البخاري .

ومنها : أن فيه رواية التابعي عن التابعي ، كلاهما من أكابر التابعين .

ومنها : أن رواته كلهم أئمة أجلاء فقهاء كبار .

بيان تعدد موضعه ، ومن أخرجه غيره :

أخرجه البخاري في سبعة مواضع من الكتاب : في الطهارة في موضعين ، في أحدهما عن عبد الله بن يوسف ، وفي الآخر عن خالد بن مخلد .

وأخرجه في المغازي عن القعنبي ، عن مالك ، وعن محمد بن بشار ، وفي الجهاد عن محمد بن المثنى ، وفي موضعين في الأطعمة : أحدهما عن علي بن عبد الله ، وعن سليمان بن حرب .

وأخرجه النسائي في الطهارة ، عن قتيبة ، عن الليث ، وفي الوليمة ، عن محمد بن بشار .

وأخرجه ابن ماجه فيه أيضا ، عن أبي بكر بن أبي شيبة .

بيان اللغات ، والإعراب :

قوله ( عام خيبر ) عام منصوب على الظرفية ، وخيبر بلدة معروفة ، بينها وبين المدينة نحو أربع مراحل .

وقال أبو عبيد : ثمانية برد ، وسميت باسم رجل من العماليق نزلها ، وكان اسمه خيبر بن قانية بن مهلائل ، وكان عثمان رضي الله تعالى عنه مصرها ، وهي غير منصرف للعلمية والتأنيث ، فتحها رسول الله صلى الله عليه وسلم .

وقال عياض : اختلفوا في فتحها ، فقيل : فتحت عنوة ، وقيل : صلحا ، وقيل : جلا أهلها عنها بغير قتال ، وقيل : بعضها صلحا ، وبعضها عنوة ، وبعضها جلاء أهلها بغير قتال .

قوله ( بالصهباء ) بالمد ، موضع على روحة من خيبر ، كذا رواه في الأطعمة .

وقال البكري : على بريد ، على لفظ تأنيث أصهب ..

قوله ( وهي أدنى خيبر ) أي أسفلها وطرفها جهة المدينة .

قوله ( فصلى العصر ) الفاء فيه لمحض العطف ، وليست للجزاء ، إذ قوله ( إذا ) ليست جزائية ، بل هي ظرفية .

قوله ( بالأزواد ) جمع زاد ، وهو طعام يتخذ للسفر .

قوله ( فأمر به ) أي بالسويق .

قوله ( فثري ) بضم الثاء المثلثة على صيغة المجهول من الماضي من التثرية ، ومعناه : بل ، وقد مر معناه عن قريب مستوفى .

قوله ( فأكل رسول الله عليه الصلاة والسلام ) أي منه .

قوله ( وأكلنا ) زاد في رواية سليمان : وشربنا . وفي الجهاد من رواية عبد الوهاب : فأكلنا وشربنا .

قوله ( فمضمض ) أي قبل الدخول في الصلاة .

فإن قلت : ما فائدة المضمضة منه ، ولا دسم له ؟ قلت : يحتبس منه شيء في أثناء الأسنان وجوانب الفم ، فيشغله تتبعه عن أحوال الصلاة .

بيان استنباط الأحكام :

الأول : أن فيه استحباب المضمضة بعد الطعام ، للمعنى الذي ذكرناه آنفا .

وقال بعضهم : استدل به البخاري على جواز صلاتين فأكثر بوضوء واحد .

قلت : البخاري لم يضع الباب لذلك ، وإن كان يفهم منه ذلك .

الثاني : فيه دلالة على عدم وجوب الوضوء مما مسته النار .

وقال الخطابي : فيه دليل على أن الوضوء مما مست النار منسوخ ; لأنه متقدم ، وخيبر كانت سنة سبع .

وقال بعضهم : لا دلالة فيه ; لأن أبا هريرة حضر بعد فتح خيبر .

قلت : لا يستبعد ذلك ; لأن أبا هريرة ربما يروي حديثا عن صحابي كان ذلك قبل أن يسلم ، فيسنده إلى النبي صلى الله تعالى عليه وآله وسلم ; لأن [ ص: 107 ] الصحابة كلهم عدول .

الثالث : فيه دلالة على جمع الرفقاء على الزاد في السفر ; لأن الجماعة رحمة ، وفيهم البركة .

الرابع : استدل به المهلب على أن للإمام أن يأخذ المحتكرين بإخراج الطعام عند قلته ليبيعوه من أهل الحاجة .

الخامس : فيه الدلالة على أن على الإمام أن ينظر لأهل العسكر ، فيجمع الزاد ليصيب منه من ما لا زاد له .

التالي السابق


الخدمات العلمية