صفحة جزء
2276 باب ما ينهى عن إضاعة المال وقول الله تعالى والله لا يحب الفساد و إن الله لا يصلح عمل المفسدين وقال في قوله تعالى " أصلاتك تأمرك أن نترك ما يعبد آباؤنا أو أن نفعل في أموالنا ما نشاء " وقال تعالى : ولا تؤتوا السفهاء أموالكم والحجر في ذلك وما ينهى عن الخداع


[ ص: 246 ] أي هذا باب في بيان النهي عن إضاعة المال ، وكلمة " ما " مصدرية ، وإضاعة المال صرفه في غير وجهه ، وقيل : إنفاقه في غير طاعة الله تعالى والإسراف والتبذير .

قوله " وقول الله " بالجر عطف على ما قبله ، قوله " والله لا يحب الفساد " كذا وقع في رواية الأكثرين ، ووقع في رواية النسفي : إن الله لا يحب الفساد ، والأول هو الذي وقع في التلاوة ، والثاني سهو من الناسخ ، والفساد خلاف الصلاح .

قوله " ولا يصلح عمل المفسدين " كذا وقع في رواية الأكثرين ، ووقع في رواية ابن شبويه والنسفي " لا يحب " بدل لا يصلح ، وأصل التلاوة إن الله لا يصلح عمل المفسدين وغير هذا سهو من الكاتب ، وقيل : يحتمل أنه لم يقصد التلاوة ، قلت : فيه بعد لا يخفى .

قوله أصلاتك في سورة هود ، وأولها " قالوا يا شعيب أصلاتك تأمرك " إلى قوله إنك لأنت الحليم الرشيد كان شعيب عليه السلام كثير الصلوات ، وكان قومه إذا رأوه يصلي تغامزوا وتضاحكوا ، فقصدوا بقولهم " أصلواتك تأمرك " السخرية والهزء ، وإسناد الأمر إلى الصلاة على طريق المجاز ، قوله أن نترك أي بأن نترك أي بترك ما يعبد آباؤنا ، قوله أو أن نفعل أي أتأمرنا صلواتك بأن نفعل في أموالنا ما تشاء أنت وهو ما كان يأمرهم من ترك التطفيف والبخس ، وقال زيد بن أسلم : كان مما ينهاهم شعيب عليه الصلاة والسلام عنه وعذبوا لأجله قطع الدنانير والدراهم ، وكانوا يقرضون من أطراف الصحاح لتفضل لهم القراضة ، وكانوا يتعاملون بالصحاح عددا وبالمكسور وزنا ويبخسون ، قوله إنك لأنت الحليم الرشيد قول منهم على سبيل الاستهزاء ونسبتهم إياه إلى غاية السفه ، ووجه ذكر هذه الآية في هذه الترجمة في قوله " أو أن نفعل في أموالنا ما نشاء " لأن تصرفهم في الدراهم والدنانير على الوجه الذي ذكرناه إضاعة للمال ، وكان شعيب عليه الصلاة والسلام ينهاهم عن ذلك فلما لم يتركوا هذه الفعلة عذبهم الله تعالى ، قوله " وقال " أي وقال الله تعالى : ولا تؤتوا السفهاء أموالكم هذه الآية في النساء ، وتمامها التي جعل الله لكم قياما وارزقوهم فيها واكسوهم وقولوا لهم قولا معروفا ووجه ذكر هذه الآية هنا أيضا هو أن إيتاء الأموال للسفهاء إضاعتها ، وقال الضحاك عن ابن عباس : المراد بالسفهاء النساء والصبيان ، وقال سعيد بن جبير : هم اليتامى ، وقال قتادة وعكرمة ومجاهد : هم النساء ، وقال ابن أبي حاتم : حدثنا أبي ، حدثنا هشام بن عمار ، حدثنا صدقة بن خالد ، حدثنا عثمان بن أبي العاتكة ، عن علي بن يزيد ، عن القاسم ، عن أبي أمامة قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : إن النساء السفهاء إلا التي أطاعت قيمها ، وقال ابن أبي حاتم : ذكر عن مسلم بن إبراهيم ، حدثنا حرب بن شريح ، عن معاوية بن قرة ، عن أبي هريرة : ولا تؤتوا السفهاء أموالكم قال الخدم وهم شياطين الأنس ، قوله " قياما " أي تقوم بها معايشكم من التجارات وغيرها ، قوله وارزقوهم فيها واكسوهم وعن ابن عباس : لا تعمد إلى مالك وما خولك الله وجعله لك معيشة فتعطيه امرأتك أو بنيك ثم تنظر إلى ما في أيديهم ، ولكن أمسك مالك وأصلحه وأنت الذي تنفق عليهم من كسوتهم ومؤنتهم ورزقهم .

وقال ابن جرير : حدثنا ابن المثنى ، حدثنا محمد بن جعفر ، حدثنا شعبة ، عن فراس ، عن الشعبي ، عن أبي بردة ، عن أبي موسى قال : ثلاثة يدعون الله فلا يستجيب لهم : رجل كانت له امرأة سيئة الخلق فلم يطلقها ، ورجل أعطى ماله سفيها وقد قال الله تعالى : ولا تؤتوا السفهاء أموالكم ورجل كان له دين على رجل فلم يشهد عليه .

وقال مجاهد : وقولوا لهم قولا معروفا يعني في البر والصلة ، قوله " والحجر " في ذلك بالجر عطف على قوله " إضاعة المال " أي الحجر في ذلك أي في السفه ، وقال ابن كثير في تفسيره : ويؤخذ الحجر على السفهاء من هذه الآية ، أعني قوله ولا تؤتوا السفهاء وهم أقسام : فتارة يكون الحجر على الصغير فإنه مسلوب العبارة ، وتارة يكون الحجر للجنون ، وتارة يكون لسوء التصرف لنقص العقل أو الدين ، وتارة يكون الحجر للفلس وهو ما إذا أحاطت الديون برجل وضاق ماله عن وفائها ، فإذا سأل الغرماء الحاكم الحجر عليه حجر عليه ، انتهى .

والسفيه هو الذي يضيع ماله ويفسده بسوء تدبيره ، والحجر في اللغة : المنع ، وفي الشرع : المنع من التصرف في المال ، قال أصحابنا : السفه هو العمل بخلاف موجب الشرع واتباع الهوى ، ومن عادة السفيه التبذير والإسراف في النفقة والتصرف لا لغرض أو لغرض لا يعده العقلاء من أهل الديانة غرضا ; مثل دفع المال إلى المغني واللعاب ، وشراء الحمام الطيارة بثمن غال ، والغبن في التجارات من غير محمدة .

وأبو حنيفة لا يرى الحجر بسبب السفه ، وبه قال زفر ، وهو مذهب إبراهيم النخعي ومحمد بن سيرين ، وقال أبو يوسف ومحمد ومالك [ ص: 247 ] والأوزاعي والشافعي وأحمد وإسحاق وأبو ثور يحجر على السفيه ، روي ذلك عن علي وابن عباس وابن الزبير وعائشة رضي الله تعالى عنهم ، واحتج أبو حنيفة بحديث ابن عمر الذي يأتي الآن : إذا بايعت فقل لا خلابة ، فإنه صلى الله عليه وسلم وقف على أنه كان يغبن في البيوع فلم يمنعه من التصرف ولا حجر عليه ، وحجة الآخرين الآية المذكورة ، وهي قوله ولا تؤتوا السفهاء أموالكم الآية ، قوله " وما ينهى عن الخداع " عطف على ما قبله ، وتقديره أي باب في بيان كذا وكذا وفي بيان ما ينهى عن الخداع أي في البيوع .

التالي السابق


الخدمات العلمية