صفحة جزء
255 - " أحسنوا جوار نعم الله؛ لا تنفروها؛ فقلما زالت عن قوم فعادت إليهم " ؛ (ع عد) ؛ عن أنس ؛ (هب)؛ عن عائشة ؛ (ض).


(أحسنوا) ؛ في رواية: " أحسني" ؛ خطابا لعائشة ؛ ولعل الخطاب تعدد؛ (جوار) ؛ بالكسر؛ أفصح؛ كذا في الصحاح؛ وفي القاموس: الضم أفصح؛ ونحوه في المصباح؛ والمراد: الجوار المعنوي؛ (نعم الله) ؛ جمع " نعمة" ؛ بمعنى " إنعام" ؛ وهي كل ملائم تحمد عاقبته؛ ثم فسر المراد بحسن الجوار بقوله: (لا تنفروها) ؛ أي: لا تبعدوها عنكم بفعل المعاصي؛ فإنها تزيل النعم؛ ولا تطردوها بترك الشكر؛ (فقلما) ؛ " ما" ؛ في " قلما" ؛ لتأكيد معنى القلة؛ كما ذكره في الكشاف؛ في قليلا ما تشكرون ؛ وإنما أكد القلة بها لإبهامها؛ كما تؤكد الكثرة بها؛ لأن المبهم يتناول الكثير والقليل؛ أي: في قليل من الأحيان؛ وقال بعضهم: " ما" ؛ من " قلما" ؛ يحتمل كونها كافة للفعل عن العمل؛ وكونها مع الفعل؛ لعدها في تأويل المصدرية؛ (زالت عن قوم فعادت إليهم) ؛ لأن حسن الجوار لنعم الله من تعظيمها؛ وتعظيمها من شكرها؛ والرمي بها من الاستخفاف بها؛ وذلك من الكفران والكفور؛ ممقوت [ ص: 192 ] مسلوب؛ ولهذا قالوا: الشكر قيد للنعمة الموجودة؛ وصيد للنعمة المفقودة؛ وقالوا: كفران النعم بوار؛ وقلما أقشعت نافرة فرجعت في نصابها؛ فاستدع شاردها بالشكر؛ واستدم هاربها بكرم الجوار؛ واعلم أن سبوغ ستر الله متقلص عما قريب؛ إذا أنت لم ترج لله وقارا؛ وقال الغزالي: فحافظ على إحسان الجوار؛ عسى أن يتم نعمته عليك؛ ولا يبتليك بمرارة الزوال؛ فإن أمر الأمور وأصعبها الإهانة بعد الإكرام؛ والطرد بعد التقريب؛ والفراق بعد الوصال؛ وقال بعضهم: إن حقا على من لعب بنعم الله - سبحانه وتعالى - أن يسلبه إياها؛ قيل: أنجت امرأة صبيا بكسرة؛ فوضعتها في جحر؛ فابتلي أهل ذلك البلد بالقحط؛ فاضطرت المرأة لشدة الجوع حتى طلبتها؛ فأكلتها؛ فارتباط النعم بشكرها؛ وزوالها في كفرها؛ فمن عظمها فقد شكرها؛ ومن استخف بها فقد حقرها؛ وعرضها للزوال؛ ولهذا قالوا: لا زوال للنعمة إذا شكرت؛ ولا بقاء لها إذا كفرت؛ فالعاقل من حصن نعمته عن الزوال بكثرة العطايا والإفضال؛ وجرى على شاكلة أكابر جنسه من أنبياء الله - صلوات الله عليهم أجمعين -؛ وخواص عباده؛ الذين دأبهم أن يتلقوا نعمة الله القادمة بحسن الشكر؛ كما يشيعون النعمة المودعة بجميل الصبر؛ بحمد الله.

(تنبيه) : قال ابن الحاج: كان العارف المرجاني إذا جاءه القمح لم يترك أحدا من فقراء الزاوية ذلك اليوم يعمل عملا حتى يلتقطوا جميع ما سقط من الحب على الباب؛ أو بالطريق؛ قال: فينبغي للإنسان إذا وجد خبزا أو غيره؛ مما له حرمة؛ مما يؤكل؛ أن يرفعه من موضع المهنة؛ إلى محل طاهر يصونه فيه؛ لكن لا يقبله؛ ولا يرفعه فوق رأسه؛ كما تفعله العامة؛ فإنه بدعة؛ قال: وهذا الباب مجرب؛ فمن عظم الله بتعظيم نعمه؛ لطف به وأكرمه؛ وإن وقع بالناس شدة جعل له فرجا مخرجا.

(ع عد) ؛ وكذا البيهقي ؛ كلهم من حديث عثمان بن مطر؛ عن ثابت؛ (عن أنس ) ؛ ثم قال البيهقي : عثمان ضعيف؛ وقال الذهبي : ضعفوه كلهم؛ وقال الهيتمي؛ عقب نسبته لأبي يعلى: فيه عثمان بن مطر؛ ضعيف؛ (هب)؛ من حديث الوليد بن محمد الموقري؛ عن الزهري ؛ عن عروة ؛ (عن عائشة ) ؛ قالت: دخل علي رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم - فرأى كسرة ملقاة؛ فأخذها ومسحها وأكلها؛ ثم ذكره؛ وظاهر صنيع المؤلف أن مخرجه البيهقي خرجه وسكت عليه؛ ولا كذلك؛ بل عقبه ببيان علته؛ فقال: الموقري ضعيف؛ قال: ورواه خالد بن إسماعيل المخزومي عن هشام ؛ عن أبيه؛ عن عائشة ؛ وهو أيضا ضعيف.

التالي السابق


الخدمات العلمية