صفحة جزء
264 - " احفظ عورتك؛ إلا من زوجتك؛ أو ما ملكت يمينك " ؛ قيل: إذا كان القوم بعضهم في بعض؟ قال: " إن استطعت ألا يرينها أحد فلا يرينها" ؛ قيل: إذا كان أحدنا خاليا؟ قال: " الله أحق أن يستحيا منه من الناس" ؛ (حم ع ك هق) ؛ عن بهز بن حكيم ؛ عن أبيه؛ عن جده.


(احفظ عورتك) ؛ صنها عن العيون؛ لأنها خلقت من آدم مستورة؛ وقد كانت مستورة عن آدم وحواء؛ ودخلا الجنة ولم يعلما بها؛ حتى أكلا من الشجرة؛ فانكشفت؛ فأمرا بسترها؛ أخرج الحكيم الترمذي خبر: " إن أول ما خلق الله من آدم فرجه؛ ثم قال: هذه أمانة قد خبأتها عندك" ؛ (إلا من زوجتك) ؛ بالتاء - لغة - وبدونها جاء القرآن؛ (أو ما) ؛ أي: وإلا الأمة التي (ملكت يمينك) ؛ وحل لك وطؤها؛ وعبر باليمين للغالب؛ إذ كانوا يتصافحون بها عند العقود؛ والخطاب؛ وإن كان لمفرد؛ لكن المراد العموم لمن حضر وغاب من جميع الأمة؛ بقرينة عموم السؤال؛ والمرأة تحفظ عورتها؛ حتى مما ملكت يمينها؛ إلا من زوجها؛ قال الطيبي: وعدل عن " استر" ؛ إلى " احفظ" ؛ ليدل السياق على الأمر بسترها؛ استحياء عمن ينبغي الاستحياء منه؛ أي: من الله؛ ومن خلقه؛ يشير به معنى قوله (تعالى): والذين هم لفروجهم حافظون إلا على أزواجهم أو ما ملكت أيمانهم ؛ لأن عدم الستر يؤدي إلى الوقاحة؛ وهي إلى الزنا؛ وفيه أن للزوج نظر فرج زوجته؛ وحلقة دبرها؛ وأخذ بعضهم منه أنه يجب على الرجل تمكين حليلته من الاستمتاع به؛ ورد بأن معنى قوله: " إلا من..." ؛ إلى آخره؛ أي: فهو أولى ألا تحفظ عورتك منها؛ وذاك لأن الحق في التمتع له؛ لا لها؛ فيلزمها تمكينه؛ ولا عكس؛ (قيل) ؛ يعني: قال معاوية ؛ الصحابي: يا رسول الله؛ (إذا كان القوم) ؛ أي: الجماعة (بعضهم في) ؛ وفي نسخ: " من" ؛ والأول هو ما في خط المؤلف؛ (بعض) ؛ كأب؛ وجد؛ وابن؛ وابنة؛ أو المراد المثل لمثله؛ كرجل لرجل؛ وأنثى لأنثى؛ وعليه فـ " القوم" : اسم " كان" ؛ و" بعضهم" ؛ بدل منه؛ و" من بعض" ؛ خبرها؛ (قال) ؛ أي: رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: (إن استطعت ألا يرينها أحد) ؛ بنون التوكيد شديدة؛ أو خفيفة؛ (فلا يرينها) أحد؛ اجتهد في حفظها ما استطعت؛ وإن دعت ضرورة للكشف جاز بقدرها؛ (قيل) ؛ أي: قلت: يا رسول الله؛ (إذا كان أحدنا خاليا) ؛ أي: في خلوة؛ فما حكم ستر عورته حينئذ؟ (قال) ؛ أي: رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: (الله أحق) ؛ أي: أوجب (أن يستحيا) ؛ بالبناء للمجهول؛ (منه؛ من الناس) ؛ عن كشف العورة؛ وهو (تعالى) - وإن كان لا يحجبه شيء؛ ويرى المستور؛ كما يرى العاري - لكن رعاية الأدب تقتضي الستر؛ قال العلائي وغيره: وهذا إشارة إلى مقام المراقبة؛ فإن العبد إذا امتنع عن كشف عورته حياء من الناس؛ فلأن يستحيي من ربه المطلع عليه في [ ص: 196 ] كل حال؛ وكل وقت؛ أولى؛ والداعي إلى المراقبة أمور؛ أعظمها الحياء؛ قيل: إن إبراهيم بن أدهم صلى قاعدا؛ ثم مد رجله؛ فهتف به هاتف: " أهكذا تجالس الملوك؟" ؛ فما مدها بعد أبدا؛ وقال الحكيم: من تعرى خاليا؛ ولم يحتشم؛ فهو عبد قلبه غافل عن الله؛ لم يعلم بأن الله يرى؛ علم اليقين؛ ولذلك كان الصديق - رضي الله (تعالى) عنه - يقنع رأسه عند دخوله الخلاء؛ حياء من الله (تعالى)؛ وكان عثمان - رضي الله (تعالى) عنه - يغتسل في بيت مظلم؛ حتى لا يرى عورة نفسه؛ قال الماوردي : ومن خصائص نبينا - صلى الله عليه وسلم - أنه لم تر عورته قط؛ ولو رآها أحد عمي؛ وعدوا من خصائص هذه الأمة حرمة كشف العورة؛ وكما يؤمر بحفظ عورته يؤمر بحفظ عورة غيره؛ بترك النظر إليها؛ قال ابن جرير : إلا لعذر؛ كحد يقام عليه؛ وعقوبة تدرأ؛ وظاهر الخبر وجوب ستر العورة في الخلوة؛ لكن المفتى به عند الشافعية جواز كشفها فيها لأدنى غرض؛ كتبريد؛ وخوف غبار على نحو ثوب؛ فينزل الخبر على ندب الستر في الخلوة؛ لا وجوبه؛ وممن وافقهم ابن جرير ؛ فأول الخبر في الآثار على الندب؛ قال: لأن الله (تعالى) لا يغيب عنه شيء من خلقه؛ عراة؛ أو غير عراة.

(حم ع ك هق؛ عن بهز بن حكيم عن أبيه؛ عن جده) ؛ معاوية بن حيدة القشيري؛ الصحابي المشهور؛ قال: قلت: يا رسول الله؛ عوراتنا؛ ما نأتي منها؛ وما نذر؟ فذكره؛ قال الترمذي والحاكم : صحيح؛ وأقره الذهبي ؛ ورواه البخاري معلقا؛ قال ابن حجر: وإسناده إلى بهز صحيح؛ ولهذا جزم البخاري بتعليقه؛ وأما بهز وأبوه فليسا من شرطه؛ وقال الكمال بن أبي شريف: بهز وثقه أحمد وآخرون؛ وقال أبو حاتم : لا يحتج به؛ وقال ابن عدي : لم أر له حديثا منكرا؛ وأبوه حكيم؛ قال النسائي : لا بأس به.

التالي السابق


الخدمات العلمية