صفحة جزء
298 - " أخلص دينك؛ يكفك القليل من العمل " ؛ ابن أبي الدنيا ؛ في الإخلاص؛ (ك)؛ عن معاذ ؛ (صح).


(أخلص) ؛ بفتح؛ فسكون؛ فكسر؛ (دينك) ؛ بكسر الدال؛ إيمانك؛ عما يفسده من شهوات النفس؛ أو طاعتك؛ بتجنب دواعي الرياء؛ ونحوه؛ بأن تعبده امتثالا لأمره؛ وقياما بحق ربوبيته؛ لا طمعا في جنته؛ ولا خوفا من ناره؛ ولا للسلامة من المصائب الدنيوية؛ (يكفك) ؛ بالجزم؛ جواب الأمر؛ وفي نسخ: " يكفيك" ؛ بياء بعد الفاء؛ ولا أصل لها في خطه؛ (القليل من العمل) ؛ لأن الروح إذا خلصت من شهوات النفس؛ وأسرها؛ ونطقت الجوارح؛ وقامت بالعبادة من غير أن تنازعه النفس ولا القلب ولا الروح؛ فكان ذلك صدقا؛ فيقبل العمل؛ وشتان بين قليل مقبول؛ وكثير مردود؛ وفي التوراة: " ما أريد به وجهي فقليله كثير؛ وما أريد غير وجهي فكثيره قليل" ؛ قال بعض العارفين: لا تتسع في إكثار الطاعة؛ بل [ ص: 217 ] في إخلاصها؛ وقال الغزالي: أقل طاعة سلمت من الرياء والعجب؛ وقارنها الإخلاص؛ يكون لها عند الله (تعالى) من القيمة ما لا نهاية له؛ وأكثر طاعة إذا أصابتها هذه الآفة؛ لا قيمة لها؛ إلا أن يتداركها الله (تعالى) بلطفه؛ كما قال علي - كرم الله وجهه -: " لا يقل عمل البتة؛ وكيف يقل عمل مقبول؟" ؛ وسئل النخعي عن عمل كذا؛ ما ثوابه؟ فقال: " إذا قبل لا يحصى ثوابه" ؛ ولهذا إنما وقع بصر أهل البصائر من العباد في شأن الإخلاص؛ واهتموا به؛ ولم يعتنوا بكثرة الأعمال؛ وقالوا: الشأن في الصفوة؛ لا في الكثرة؛ وجوهرة واحدة خير من ألف خرزة" ؛ وأما من قل عمله؛ وكل في هذا الباب نظره؛ جهل المعاني؛ وأغفل ما في القلوب من العيوب؛ واشتغل بإتعاب النفس في الركوع والسجود والإمساك عن الطعام والشراب؛ فغره العدد والكثرة؛ ولم ينظر إلى ما فيها من المنح والصفوة؛ وما يغني عدد الجوز؛ ولا لب فيه؟! وما ينفع رفع السقوف ولم تحكم مبانيها؟! وما يعقل هذه الحقائق إلا العالمون؛ إلى هنا كلام الغزالي؛ وقال ابن الكمال: " الإخلاص" ؛ لغة: ترك الرياء في الطاعة؛ واصطلاحا: تخليص القلب عن شائبة الشوب المكدر لصفائه؛ وكل شيء تصور أن يشوبه غيره؛ فإذا صفا عن شوبه فخلص منه سمي " خالصا" ؛ قال الإمام الرازي: والتحقيق فيه أن كل شيء يتصور أن يشوبه غيره؛ فإذا صفا عن شوبه؛ وخلص لله؛ سمي " خالصا" ؛ وسمي الفعل المصفى " خالصا" ؛ إخلاصا؛ ولا شك أن كل من أتى بفعل اختياري فلا بد فيه من غرض؛ فمهما كان الغرض واحدا؛ سمي الفعل " إخلاصا" ؛ فمن تصدق وغرضه محض الرياء؛ فهو غير مخلص؛ أو محض التقرب لله؛ فهو مخلص؛ لكن جرت العادة بتخصيص اسم الإخلاص بتجريد قصد التقرب من جميع الشوائب؛ فالباعث على الفعل إما أن يكون روحانيا فقط؛ وهو الإخلاص؛ أو شيطانيا فقط؛ وهو الرياء؛ أو مركبا؛ وهو ثلاثة أقسام؛ لأنه إما أن يكونا سواء؛ أو الروحاني أقوى؛ أو الشيطاني أقوى؛ فإذا كان الباعث روحانيا فقط؛ ولا يتصور إلا في محبة الله (تعالى)؛ مستغرق القلب به؛ بحيث لم يبق لحب الدنيا في قلبه مقر؛ حتى لا يأكل ولا يشرب إلا لضرورة الجبلة؛ فهذا عمله خالص؛ وإذا كان نفسانيا فقط؛ ولا يتصور إلا من محب النفس؛ والدنيا؛ مستغرق الهم بهما؛ بحيث لم يبق لحب الله (تعالى) في قلبه مقر؛ فتكتسب أفعاله تلك الصفة؛ فلم يسلم له شيء من عبادته؛ وإذا استوى الباعثان يتعارضان؛ ويتناقضان؛ فيصير العمل لا له؛ ولا عليه؛ وأما من غلب أحد الطرفين عليه فيحبط منه ما يساوي الآخر؛ وتبقى الزيادة موجبة أثرها اللائق بها؛ وتحقيقه أن الأعمال لها تأثيرات في القلب؛ فإن خلا المؤثر عن المعارض؛ خلا الأثر عن الضعف؛ وإن اقترن بالمعارض؛ فتساويا؛ تساقطا؛ وإن كان أحدهما أغلب؛ فلا بد أن يحصل في الزائد بقدر الناقص؛ فيحصل التساوي بينهما؛ أو يحصل التساقط؛ ويبقى الزائد خاليا عن المعارض؛ فيؤثر أثرا ما؛ فكما لا يخلو مثقال ذرة من طعام؛ أو دواء في البدن؛ لا يضيع مثقال ذرة من خير؛ أو شر عن أثر التقريب من الله (تعالى)؛ والتبعيد عنه.

( ابن أبي الدنيا ) ؛ أبو بكر القرشي؛ (في) ؛ كتاب فضل (الإخلاص) ؛ في العمل؛ وكذا الديلمي ؛ (ك)؛ في النذر؛ (عن معاذ ) ؛ ابن جبل؛ قال: لما بعثني رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إلى اليمن؛ قلت: أوصني؛ فذكره؛ قال الحاكم : صحيح؛ ورده الذهبي ؛ وقال العراقي: رواه الديلمي ؛ من حديث معاذ ؛ وإسناده منقطع.

التالي السابق


الخدمات العلمية