صفحة جزء
300 - " أخلصوا عبادة الله (تعالى)؛ وأقيموا خمسكم؛ وأدوا زكاة أموالكم طيبة بها أنفسكم؛ وصوموا شهركم؛ وحجوا بيتكم؛ تدخلوا جنة ربكم " ؛ (طب)؛ عن أبي الدرداء ؛ (ض).


(أخلصوا عبادة الله - تعالى) ؛ بين به أن المراد بالعمل في الخبر قبله العبادة؛ من واجب؛ ومندوب؛ (وأقيموا خمسكم) ؛ التي هي أفضل العبادات البدنية؛ ولا تكون إقامتها إلا بالمحافظة على جميع حدودها؛ ومن ذلك عدم الإصغاء إلى وسواس الشيطان؛ وخشوع الجوارح؛ والهدوء في الأركان؛ وإتمام كل ركن بأذكاره المخصوصة؛ وجمع الحواس إلى القلب؛ كحاله في الشهادة؛ وفيه إشارة إلى أن جمع الخمس على هذه الهيئة من خصوصياتنا؛ وورد أن الصبح لآدم؛ والظهر لداود؛ والعصر لسليمان؛ والمغرب ليعقوب؛ والعشاء ليونس؛ ولا يعارضه قول جبريل عقب صلاته بالمصطفى - صلى الله عليه وسلم - الخمس صبيحة الإسراء: " وهذا وقتك ووقت الأنبياء من قبلك" ؛ لأن المراد أنه وقتهم إجمالا؛ وإن اختص كل منهم بوقت؛ ولما ذكر ما يزكي البدن؛ ذكر ما يطهر المال؛ وينميه؛ وهو حق الخلق؛ فقال: (وأدوا زكاة أموالكم) ؛ المفروضة؛ وفي الاقتصار فيها على الأداء إشعار بأن إخراج المال على هذا الوجه لا يكون إلا مع الإخلاص؛ فيطابق المقطع المطلع؛ (طيبة) ؛ بنصبه على الحال؛ (بها أنفسكم) ؛ وفي رواية: " قلوبكم" ؛ بأن تدفعوها إلى مستحقيها بسماح؛ وسخاء نفس؛ ومن كمال ذلك أن يناول المستحق بنفسه؛ كان المصطفى - صلى الله عليه وسلم - يناول السائل بنفسه؛ ولا يكله لغيره؛ (وصوموا شهركم) ؛ رمضان؛ بأركانه؛ وشروطه؛ وآدابه؛ ومنها السحور مؤخرا؛ والفطر معجلا؛ وصوم الأعضاء كلها عن العدوان؛ وترك السواك بعد الزوال؛ والأخذ فيه بشهوات العيال؛ والإضافة للتخصيص؛ على ما مر بما فيه؛ (وحجوا بيتكم) ؛ أضافه إليهم؛ لأن أبويهم إبراهيم؛ وإسماعيل - عليهما الصلاة والسلام - بنياه؛ ومن مطلوباته زيادة اليقين؛ واستطابة الزاد؛ والاعتماد على ما بيد رب العباد؛ لا على حاصل ما بيد العبد؛ وتزود التقوى؛ والرفق على الرفيق؛ وبالظهر؛ وتسكين الأخلاق؛ والإرفاق في الهدي؛ وهو الثج؛ والإعلان بالتلبية؛ وهو العج؛ وتتبع أركانه على ما تقتضيه أحكامه؛ وإقامة شعاره على معلوم السنة؛ لا على معهود العادة؛ (تدخلوا) ؛ بجزمه؛ جواب الأمر؛ (جنة ربكم) ؛ أي: المحسن إليكم بالهداية إلى الإخلاص؛ وبيان طريق النجاة والخلاص؛ وخص " الرب" ؛ تذكيرا بأنه المربي؛ والمصلح؛ والموفق؛ والهادي؛ والمنعم؛ أولا وآخرا؛ وجعل الدخول بالأعمال؛ لما جرت به العادة الإلهية من الدخول بها؛ فلشدة ملازمتها كانت كأنها سبب الدخول؛ وإلا فالدخول بالرحمة؛ وهذا الحديث موافق لقوله (تعالى): ادخلوا الجنة بما كنتم تعملون

(فائدة): قال ابن عطاء الله: لون الله (تعالى) لنا الطاعات؛ من صلاة وصوم وحج وغيرها؛ لئلا تسأم نفوسنا؛ تكرما وفضلا؛ لأن النفس لو كلفت بحالة واحدة في زمن واحد؛ ملت؛ ونفرت؛ وبعدت من الانقياد للطاعة؛ فرحمها الله - سبحانه وتعالى - بالتنويع؛ وحجر علينا الصلاة في أوقات؛ ليكون همنا إقامة الصلاة؛ لا وجود الصلاة؛ فما كل مصل مقيم.

(طب؛ عن أبي الدرداء ) ؛ قال الهيتمي: فيه يزيد بن فرقد؛ ولم يسمع من أبي الدرداء .

التالي السابق


الخدمات العلمية