صفحة جزء
6065 - (قال الله تعالى: يا ابن آدم إنك ما دعوتني ورجوتني غفرت لك على ما كان منك ولا أبالي، يا ابن آدم لو بلغت ذنوبك عنان السماء ثم استغفرتني غفرت لك ولا أبالي يا ابن آدم لو أنك أتيتني بتراب الأرض خطايا ثم لقيتني لا تشرك بي شيئا لأتيتك بقرابها مغفرة) (ت، والضياء) عن أنس- (صح) .


(قال الله تعالى يا ابن آدم إنك ما دعوتني) ؛ أي: مدة دعائك فهي زمانية نحو ما يتذكر فيه من تذكر (ورجوتني) ؛ أي: أملت مني الخير (غفرت لك) ذنوبك (على ما كان منك) من عظائم وجرائم أو ما دمت تدعوني وترجو مغفرتي ولا تقنط من رحمتي فإني أغفر لك ولا تعظم علي مغفرتك وإن كانت ذنوبك كثيرة؛ وذلك لأن الدعاء مخ العبادة والرجاء متضمن لحسن الظن بالله، وهو قال أنا عند ظن عبدي بي وعند ذلك تتوجه الرحمة له وإذا توجهت لا يتعاظمها شيء؛ لأنها وسعت كل شيء (ولا أبالي) بذنوبك؛ إذ لا معقب لحكمي ولا مانع لعطائي كأنه من البال فإنه إذا قيل لا أبالي كأنه قال لا يشتغل بالي بهذا الأمر أو نحوه، قال الطيبي: في عدم مبالاته معنى قوله لا يسأل عما يفعل (يا ابن آدم لو بلغت ذنوبك) بفرض كونها أجساما (عنان) بفتح المهملة سحاب (السماء) بأن ملأت ما بين السماء والأرض كما في الرواية الأخرى أو عنانها ما عن لك منها؛ أي: ظهر إذا رفعت رأسك ثم (استغفرتني) ؛ أي: تبت توبة صحيحة (غفرت لك ولا أبالي) ؛ لأن الاستغفار استقالة والكريم محل إقالة العثرات، وهذا على إطلاقه؛ لأن الذنب إما شرك يغفر بالاستغفار؛ أي: التوبة منه وهو الإيمان أو دونه فبالندم والإقلاع بشرطه المعروف، قال التوربشتي : العنان السحاب وإضافته على هذا المعنى إلى السماء غير فصيح، وأرى الصواب أعنان السماء وهي صفائحها يحسها وما اعترض من أقطارها كأنه جمع عنن فلعل الهمزة سقطت من بعض الرواة وورد أن العنان بمعنى العياء وأجاب الطيبي بأنه يمكن أن يجعل من باب قوله فخر عليهم السقف من فوقهم تصويرا لارتفاع شأن السحاب وأنه بلغ مبلغ السماء، وقال القاضي : العنان السحاب الواحدة عنانة من عن إذا اعترض وأضيف إلى السماء؛ لأنه معترض من دونها وقد يقال أعنان [ ص: 497 ] السماء والمعنى أنه لو كثرت ذنوبك كثرة تملأ ما بين السماء والأرض بحيث تبلغ أقطارها وتعم نواحيها ثم استغفرتني غفرت لك جميعها غير مبال بكثرتها فإن استدعاء الاستغفار للمغفرة يستوي فيه القليل والكثير والجليل والحقير (يا ابن آدم لو أنك أتيتني بقراب الأرض) بضم القاف ويقال بكسرها والضم كما في الرياض أفصح وأشهر؛ أي: بقريب ملئها أو مثلها وهو أشبه إذ الكلام سيق للمبالغة، وقال القاضي : هو مأخوذ من القرب؛ أي: ما يقاربها في المقدار والقراب شبه جراب يضع فيها المسافر زاده، وقراب السيف غمده (خطايا) قال الطيبي: تمييز من الإضافة، نحو قولك ملأ الإناء عسلا (ثم لقيتني) ؛ أي: مت حال كونك (لا تشرك بي شيئا) لاعتقادك لتوحيدي وتصديق رسلي وما جاؤوا به، قال الطيبي: وثم للتراخي في الأخبار (لأتيتك بقرابها مغفرة) ما دمت تائبا عنها مستغفرا منها مستقبلا إياها وعبر به للمشاكلة وإلا فمغفرته أبلغ وأوسع من ذلك فهو بيان لكثرة مغفرته لئلا ييأس المذنبون عنها لكثرة الخطايا ولا يجوز الاغترار بهذا وإكثار المعاصي؛ لأن لله عقوبة شديدة

والضياء) المقدسي (عن أنس) بن مالك

التالي السابق


الخدمات العلمية