صفحة جزء
6573 - كان إذا اشتكى نفث على نفسه بالمعوذات، ومسح عنه بيده - ق د هـ) عن عائشة - صح) .


(كان إذا اشتكى) أي مرض (نفث) بالمثلثة أي خرج الريح من فمه مع شيء من ريقه (على نفسه بالمعوذات) بالواو المشددة: الإخلاص واللتين بعدها فهو من باب التغليب، أو المراد: الفلق والناس، وجمع باعتبار أن أقل الجمع اثنان، أو المراد: الكلمات المعوذات بالله من الشيطان والأمراض، أي قرأها ونفث الريح على نفسه أو أن المعوذتين وكل آية تشبههما، نحو: وإن يكاد الآية، أو أطلق الجمع على التثنية مجازا ذكره القاضي . قال الزمخشري : والنفث بالفم شبيه بالنفخ، ويقال: نفث الراقي ريقه وهو أقل من التفل، والحية تنفث السم، ومنه قولهم: لا بد للمصدور أن ينفث، ويقال: أراد فلان أن يقر بحقي فنفث في ذؤابة إنسان حتى أفسده، (ومسح عنه بيده) لفظ رواية مسلم : بيمينه، أي مسح من ذلك النفث بيمينه أعضاءه. وقال الطيبي : الضمير في عنه راجع إلى ذلك النفث، والجار والمجرور حال، أي نفث على بعض جسده ثم مسح بيده متجاوزا عن ذلك النفث إلى جميع أعضائه، وفائدة النفث التبرك بتلك الرطوبة، أو الهواء الذي ماسه الذكر كما يتبرك بغسالة ما يكتب من الذكر، وفيه تفاؤل بزوال الألم، وانفصاله كانفصال ذلك الريق، وخص المعوذات لما فيها من الاستعاذة من كل مكروه جملة وتفصيلا، ففي الإخلاص كمال التوحيد الاعتقادي، وفي الاستعاذة من شر ما خلق ما يعم الأشباح والأرواح، وبقية هذا الحديث في صحيح البخاري : فلما اشتكى وجعه الذي توفي فيه فطفقت أنفث على نفسه بالمعوذات التي كان ينفث فرفع رأسه إلى السماء، وقال: في الرفيق الأعلى.

[تنبيه] قال الحكيم : جاء في رواية بدل (فنفث) (فقرأ) فدل على أن النفث قبل القراءة، وفي حديث بدأ بذكر القرآن ثم النفث، وفي آخر بدأ بذكر النفث بالقراءة فلا يكون النفث إلا بعد القراءة، وإذا فعل الشيء لشيء كان ذلك الشيء مقدما حتى يأتي الثاني، وفي حديث آخر: نفث بقل هو الله أحد، وذلك يدل على أن القراءة تقدم ثم نفث ببركتها؛ لأن القصد وصول نورها إلى الجسد فلا يصل إلا بذلك فإذا قرأ استنار صدره بنور المقروء الذي يتلوه كل قارئ على قدره، والنفث من الروح، والنفخ من النفس، وعلامته أن الروح باردة والنفس حارة، فإذا قال: نفث، خرجت الريح باردة لبرد الروح، وإذا قال: هاه، خرجت حارة، فتلك نفثه والثانية نفخة؛ وذلك لأن الروح مسكنه الرأس ثم ينبث في البدن، والنفس في البطن ثم ينبث في البدن كله، وفي كل منهما حياة بهما يستعملان البدن بالحركة، والروح سماوية والنفس أرضية، والروح شأنه الطاعة والنفس ضده، فإذا ضم شفتيه اعتصر الروح في مسكنه فإذا أرسله خرج إلى شفتيه مع برد فذلك النفث، [ ص: 102 ] وإذا فتح فاه اعتصرت النفس فإذا أرسله خرجت ريح جلدة فلذلك ذكر في الحديث النفث لأن الروح أسرع نهوضا إلى نور تلك الكلمات والنفس ثقيلة بطيئة، وإذا صار الريح بالنفث إلى الكفين مسح بهما وجهه وما أقبل من بدنه؛ لأن قبالة المؤمن حيث كان فهو لقبالة الله فإذا فعل ذلك بجسده عند إيوائه إلى فراشه أو عند مرضه كان كمن اغتسل بأطهر ماء وأطيبه، فما ظنك بمن يغتسل بأنوار كلمات الله تعالى.

[فائدة] قال القاضي : شهدت المباحث الطبية على أن الريق له دخل في النضح وتبديل المزاج، ولتراب الوطن تأثير في حفظ المزاج الأصلي ودفع نكاية المغيرات؛ ولهذا ذكروا في تدبير المسافر أنه يستصحب تراب أرضه إن عجز عن استصحاب مائها حتى إذا ورد غير الماء الذي تعود شربه ووافق مزاجه جعل شيئا منه في سقايته ويشرب الماء من رأسه ليحفظ عن مضرة الماء الغريب ويأمن تغير مزاجه بسبب استنشاق الهواء المغاير للهواء المعتاد، ثم إن الرقى والعزائم لها آثار عجيبة تتقاعد العقول عن الوصول إلى كنهها.

(ق د ن عن عائشة ) ورواه عنها النسائي أيضا.

التالي السابق


الخدمات العلمية