صفحة جزء
7291 - لقد أوذيت في الله وما يؤذى أحد ، وأخفت في الله وما يخاف أحد ، ولقد أتت علي ثلاثون من بين يوم وليلة وما لي ولبلال طعام يأكله ذو كبد إلا شيء يواريه إبط بلال (حم ت هـ حب) عن أنس. (صح)
(لقد أوذيت) ماض مجهول من الإيذاء (في الله) أي في إظهار دينه وإعلاء كلمته (وما يؤذى) بالبناء للمفعول (أحد) من الناس في ذلك الزمان ، بل كنت المخصوص بالإيذاء ، لنهيي إياهم عن عبادة الأوثان ، وأمري لهم بعبادة الرحمن (وأخفت) ماض مجهول من الإخافة (في الله) أي هددت وتوعدت بالتعذيب والقتل بسبب إظهار الدعاء إلى الله تعالى ، وإظهار دين الإسلام ، وقوله (وما يخاف أحد) حال ، أي خوفت في الله وحدي ، وكنت وحيدا في ابتداء إظهاري للدين ، فآذاني الكفار بالتهديد والوعيد الشديد ، فكنت المخصوص بينهم بذلك في ذلك الزمان ، ولم يكن معي أحد يساعدني في تحمل أذيتهم ، وقال ابن القيم: قوله في كثير من الأحاديث "في الله" يحتمل معنيين ، أحدهما: أن ذلك في مرضاة الله وطاعته ، وهذا فيما يصيبه باختياره ، والثاني: أنه بسببه ومن جهته حصل ذلك ، وهذا فيما يصيبه بغير اختياره ، وغالب ما مر ويجيء من قوله "في الله" من هذا القبيل ، وليست "في" هنا للظرفية ولا لمجرد السببية ، وإن كانت السببية أصلها ، ألا ترى إلى خبر: دخلت امرأة النار في هرة.... كيف تجد فيه معنى زائدا على السببية ؟ فقولك: فعلت كذا في مرضاتك فيه معنى زائد على: فعلته لرضاك ، وإذا قلت: أوذيت في الله ، لا يقوم مقامه: أوذيت لله ولا بسببه ، وقد نال المصطفى صلى الله عليه وسلم من قريش من الأذى ما لا يحصى ، فمن ذلك ما في البخاري أنه كان يصلي في الحجر ، إذ أقبل عقبة بن أبي معيط فوضع ثوبه في عنقه ، فخنقه خنقا بالغا ، وأخذ بعضهم بمجامع ردائه حتى قام أبو بكر دونه وهو يبكي ويقول: أتقتلون رجلا أن يقول ربي الله ؟ وقام إليه مرة عقبة وهو يصلي عند المقام ، فجعل رداءه في عنقه ، ثم جذبه حتى وجب لركبته ، وتصايح الناس ، وأقبل أبو بكر يشتد حتى أخذ بضبعيه ، وفي مسند أبي يعلى والبزار - بسند ، قال ابن حجر: صحيح - : لقد ضربوا رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى غشي عليه ، فقام أبو بكر فجعل ينادي: أتقتلون رجلا أن يقول ربي الله ؟ فنهوا عنه ، وفي البزار أن عليا خطب فقال: من أشجع الناس ؟ قالوا: أنت ، قال: أما إني ما بارزني أحد إلا انتصفت منه ، ولكنه أبو بكر ، لقد رأيت [ ص: 279 ] رسول الله صلى الله عليه وسلم أخذته قريش ، هذا يجاذبه وهذا يكبكبه ويقولون: أنت جعلت الآلهة إلها واحدا ؟ فوالله ما دنا منا أحد إلا أبا بكر ، ووضعوا سلا الجزور على ظهره وهو ساجد ، وغير ذلك مما يطول ذكره ، فليراجعه من السير من أراد (ولقد أتت علي ثلاثون من بين يوم وليلة) تأكيد للشمول ، أي ثلاثون يوما وليلة متواترات ، لا ينقص منها من الزمان (وما لي ولبلال طعام يأكله ذو كبد) أي حيوان ، أي ما معنا طعام ، سواء كان ما يأكل الدواب أو الإنسان (إلا شيء يواريه إبط بلال) أي يستره ، يعني كان في وقت الضيق رفيقي ، وما كان لنا من الطعام إلا شيء قليل بقدر ما يأخذه بلال تحت إبطه ، ولم يكن لنا ظرف نضع الطعام فيه ، قال ابن حجر: كان يختار ذلك مع إمكان حصول التوسع والتبسط في الدنيا ، كما في خبر الترمذي أنه عرض عليه أن يجعل له بطحاء مكة ذهبا فأبى

(حم ت) في الزهد (هـ حب) كلهم (عن أنس) قال الترمذي: حسن صحيح .

التالي السابق


الخدمات العلمية