صفحة جزء
7399 - لو أن العباد لم يذنبوا ، لخلق الله خلقا يذنبون ثم يغفر لهم ، وهو الغفور الرحيم (ك) عن ابن عمرو. (صح)
(لو أن العباد لم يذنبوا ، لخلق الله خلقا يذنبون ثم يغفر لهم ، وهو الغفور الرحيم) لأن ما سبق في علمه كائن لا محالة ، وقد سبق في علمه أنه يغفر للعصاة ، فلو فرض عدم وجود عاص خلق من يعصيه فيغفر له ، وليس هذا تحريضا للناس على الذنوب ، بل تسلية للصحابة وإزالة للخوف من صدورهم لغلبة الخوف عليهم ، حتى فر بعضهم إلى رؤوس الجبال للتعبد ، [ ص: 305 ] وبعضهم اعتزل الناس ، ذكره القاضي. وقال التوربشتي: لم يرد بهذا الحديث مورد تسلية المنهمكين في الذنوب وقلة احتفال منهم بمواقعتها على ما يتوهم أهل العزة ، بل مورده البيان لعفو الله عن المذنبين وحسن التجاوز عنهم ، ليعظموا الرغبة في التوبة والاستغفار ، والمعنى المراد من الحديث أنه تعالى كما أحب أن يحسن إلى المحسن ، أحب أن يتجاوز عن المسيء ، وقد دل عليه غير واحد من أسمائه ، كالغفار الحليم التواب العفو ، لم يكن ليجعل للعباد بابا واحدا ، كالملائكة مجبولين على التنزه من الذنوب ، بل خلق فيهم طينة ميالة إلى الهوى مفتتنا بما يقتضيه ، ثم كلفه التوقي عنه ، وحذره عن مداراته ، وعرفه التوبة بعد الابتلاء ، فإن وفى فأجره على الله ، وإن أخطأ الطريق فالتوبة بين يديه ، وأراد المصطفى صلى الله عليه وسلم أنكم لو كنتم مجبولين على ما جبلت عليه الملائكة ، لجاء بقوم يأتي منهم الذنب ، فيتجلى عليهم بتلك الصفات على مقتضى الحكمة ، فإن الغفار يستدعي مغفورا ، كما أن الرزاق يستدعي مرزوقا ، وقال الطيبي: في الحديث رد لمن ينكر صدور الذنب عن العباد ، ويعده نقصا فيهم مطلقا ، وأنه تعالى لم يرد من العباد صدوره كالمعتزلة ، فنظروا إلى ظاهره وأنه مفسدة صرفة ، ولم يقفوا على سره ، أنه مستجلب للتوبة والاستغفار الذي هو موقع محبة الله عز ذكره إن الله يحب التوابين وفي الحديث " إن الله يبسط يده بالليل ليتوب مسيء النهار " وفيه " لله أشد فرحا بتوبة عبده المؤمن " وسره إظهار صفة الكرم والحلم والغفران ، ولو لم يوجد لانثلم طرف من صفات الألوهية ، والإنسان إنما هو خليفة الله في أرضه ، يتجلى له بصفات الجلال والإكرام والقهر واللطف ، قال السبكي: وفيه أن النطق بــ "لو" لا يكره على الإطلاق ، بل في شيء مخصوص ، وعليه ورد خبر " إياك واللو " وذلك أنه من فاته أمر دنيوي فلا يشغل نفسه بالتلهف عليه ، لما فيه من الاعتراض على المقادير

(ك عن ابن عمرو) بن العاص.

التالي السابق


الخدمات العلمية