صفحة جزء
7822 - ما أصر من استغفر ، وإن عاد في اليوم سبعين مرة (د ت) عن أبي بكر . (ض)
(ما أصر) أي ما أقام على الذنب (من استغفر) أي تاب توبة صحيحة ، لأن التوبة شروطها ترفع الذنوب كلها حتى الشرك ، (وإن عاد في اليوم سبعين مرة ) ، فإن رحمته لا نهاية لها ولا غاية ، فذنوب العالم كلها متلاشية عند حلمه وعفوه ، إذ لو بلغت ذنوب العبد ما عسى أن تبلغ ، ثم استقال منها بالاستغفار غفرت له ، لأنه طلب الإقالة من كريم ، والكريم محل لإقالة العثرات وغفر الزلات ، لكن الاستغفار التام المتسبب عنه المغفرة هو ما قارنه عدم الإصرار ، لأنه حينئذ توبة نصوح ، وأما مع الإصرار فهو مجرد دعاء ، قال الغزالي : فإن قلت: كيف يكون الاستغفار نافعا من غير حل عقدة الإصرار ؟ وفي خبر: المستغفر من ذنب وهو مقيم عليه كالمستهزئ ، وكان بعضهم يقول: أستغفر الله من قولي أستغفر الله ، وقيل: الاستغفار باللسان توبة الكذابين ؟ قلنا: الذي هو توبة الكذابين هو الاستغفار بمجرد اللسان بدون شركة للقلب فيه ، كما يقول بحكم العادة وعند رأس الغفلة: أستغفر الله ، من غير تأثير لقلبه ، فإنه يرجع بمجرد حركة اللسان ، ولا جدوى له ، فإن انضاف له تضرع القلب وابتهاله في سؤاله المغفرة عن خلوص رغبته فهذه حسنة في نفسها تصلح لدفع السيئة بها ، وعليه يحمل قوله في هذا الخبر: ما أصر... إلخ ، فهذا عبارة عن الاستغفار بالقلب. وللتوبة والاستغفار درجات ، وأوائلها لا يخلو عن فائدة وإن لم ينته إلى آخرها ، ولذلك قال سهل : لا بد للعبد في كل حال من مولاه ، فأحسن أحواله الرجوع إليه في كل شيء ، فإن عصى قال: يا رب استر علي ، فإذا فرغ من المعصية قال: يا رب تب علي ، فإذا تاب قال: يا رب اعصمني ، فإذا عمل قال: تقبل مني ، وسئل عن الاستغفار الذي يكفر الذنب فقال: أول الاستغفار الإجابة ثم الإنابة ثم التوبة ، فالاستجابة: إعمال الجوارح ، والإنابة إعمال القلب ، والتوبة: إقباله على مولاه بأن يترك الخلق ، ويستغفر من تقصيره ومن الجهل بالنعمة وترك الشكر ، فعند ذلك يغفر له ، ثم انتقل إلى الانفراد ثم الثبات ثم البيان ثم القرب ثم المعرفة ثم المناجاة ثم المصافاة ثم الموالاة ثم المحادثة ، وهو الخلة ، ولا يستقيم هذا في قلب عبد حتى يكون العلم غذاءه والذكر قوامه والرضا زاده والتوكل صاحبه ، ثم ينظر الله إليه فيرفعه إلى العرش ، فيكون مقامه مقام حملة العرش ، والحاصل أن للتكفير درجات ، فبعضها محو للذنب بالكلية ، وبعضها مخفف ، ويتفاوت ذلك بتفاوت درجات التوبة ، فالاستغفار بالقلب والتدارك بالحسنات - وإن خلا عن حل عقدة الإصرار - من أوائل الدرجات ، ولا يخلو عن فائدة ، فلا ينبغي أن يظن أن وجودها كعدمها قال: بل أقول: الاستغفار باللسان فقط حسنة أيضا ، إذ حركة اللسان به عن غفلة خير من حركته في تلك الساعة بغيبة أو فضول ، بل خير من السكوت ، فيظهر فضله بالإضافة إلى السكوت عنه ، وإنما يكون نقصا بالإضافة إلى عمل القلب ، ولهذا قال بعضهم لأبي عثمان المغربي: لساني يجري بالذكر والقرآن ، وقلبي غافل ، فقال: اشكر الله الذي استعمل جارحة من جوارحك في خير ، وعوده الذكر لا الفضول

[تنبيه] قال الراغب : قد يستحسن في بعض الأحوال التغابي عن المصر. سمع رجل حكيما يقول: ذنب الإصرار أولى بالاغتفار ، فقال: صدقت ، ليس فضل من عفا عن السهو القليل كمن عفا عن العمد الجليل

(د ت عن أبي بكر ) الصديق ، قال الترمذي : غريب [ ص: 423 ] وليس إسناده بقوي ، قال الزيلعي : إنما لم يكن قويا لجهالة مولى أبي بكر الراوي عنه ، لكن جهالته لا تضر ، إذ يكفيه نسبته إلى الصديق اه. وأقول: فيه أيضا عثمان بن واقد ، ضعفه أبو داود نفسه.

التالي السابق


الخدمات العلمية