صفحة جزء
7838 - ما أنت محدث قوما حديثا لا تبلغه عقولهم ، إلا كان على بعضهم فتنة ( ابن عساكر ) عن ابن عباس . (ض)
(ما أنت محدث قوما حديثا لا تبلغه عقولهم ، إلا كان على بعضهم فتنة) لأن العقول لا تحتمل إلا على قدر طاقتها ، فإن أزيد على العقل فوق ما يحتمله استحال الحال من الصلاح إلى الفساد ، ومن ثم ورد في خبر عند الحكيم : إن لله سرا لو أفشاه لفسد التدبير ، وللملوك سرا لو أفشوه لفسد ملكهم ، وللأنبياء سرا لو أفشوه لفسدت نبوتهم ، وللعلماء سرا لو أفشوه فسد علمهم. فواجب على الحكيم والعالم النحرير الاقتداء بالمصطفى صلى الله عليه وسلم في قوله: أنزلوا الناس منازلهم ، وقد قال عيسى: لا تضعوا الحكمة في غير أهلها فتظلموها ، ولا تمنعوها أهلها فتظلموهم ، وكن كالطبيب الحاذق يضع دواءه حيث يعلم أنه ينفع ، ومن ثم قيل: تصفح طلاب حكمك كما تتصفح خطاب حرمك ، وبهذا ألم أبو تمام حيث قال:


وما أنا بالغيران ممن دون جارتي. . . إذا أنا لم أصبح غيورا على العلم



وقيل لحكيم: ما بالك لا تطلع كل أحد على حكمة يطلبها منك ؟ فقال: اقتداء بالباري تعالى حيث قال: ولو علم الله فيهم خيرا لأسمعهم ولو أسمعهم لتولوا وهم معرضون فتبين أنه منعهم لما لم يكن فيهم خير ، وبين أن في إسماعهم ذلك مفسدة لهم ، قال حجة الإسلام: ومن ذلك ما أحدثه بعض المتصوفة ممن تركوا فلاحتهم وأتوا بكلمات غير مفهومة يسمونها الشطح ، فيها عبارات هائلة ، وليس وراءها طائلة ، أو تكون مفهومة ، لكن لا يقدر على تفهيمها وإيرادها بعبارة تدل على ضميره ، لقلة ممارسته للعلم ، وجهله بطرق التعبير عن المعاني بالألفاظ الرشيقة ، فلا فائدة لذلك إلا أنه يشوش القلوب ويدهش العقول ويحير الأذهان

( ابن عساكر ) في تاريخه (عن ابن عباس ) .

التالي السابق


الخدمات العلمية