صفحة جزء
466 - " إذا اقترب الزمان؛ لم تكد رؤيا الرجل المسلم تكذب؛ وأصدقهم رؤيا أصدقهم حديثا " ؛ (ق هـ) ؛ عن أبي هريرة ؛ (صح).


(إذا اقترب) ؛ " افتعل" ؛ من " القرب" ؛ وروي: " تقارب" ؛ (الزمان) ؛ أي: دنت الساعة؛ وقبض أكثر أهل العلم؛ ودرست معالم الديانة؛ بالهرج؛ والفتن؛ فكان الناس على مثل الفطرة محتاجين إلى مذكر؛ ومجدد لما درس من الدين؛ قال القاضي: اقتراب الزمان: دنو الساعة؛ إذ الشيء إذا قل؛ وتقاصر؛ تقاربت أطرافه؛ ومن ثم قيل للقصير: " متقارب" ؛ ويقال: " تقاربت الإبل" ؛ إذا قلت؛ أو أراد استواء الليل والنهار عند انطباق دائرة منطقة البروج على دائرة معدل النهار؛ وذلك وقت اعتدال الطبائع الأربع؛ فلا يكون في المنام أضغاث أحلام؛ فإن من موجبات التخليط فيها غلبة بعض الأخلاط على بعض؛ ومن ثم قال المعبرون: أصدق الأزمان لوقوع التعبير وقت انفتاق الأزهار؛ وإدراك الثمار؛ واستواء الليل والنهار؛ وعند ذلك تصح الأمزجة؛ وتصح الحواس؛ أو أراد بتقارب الزمان حين تكون السنة كشهر؛ للهنا؛ وبلوغ المنى؛ وبسط العدل؛ زمن المهدي؛ وذلك زمن يستقصر لاستلذاذه؛ فتتقارب أطرافه؛ ذكره الزمخشري ؛ قال: ويعضد الأول قوله: (لم تكد رؤيا الرجل المسلم) ؛ في منامه؛ (تكذب) ؛ أي: لا تكون إلا صادقة؛ لأن المغيبات تنكشف حينئذ؛ والخوارق تظهر؛ ولأن أكثر العلم يقبض بقبض العلماء؛ وتندرس معالم الدين؛ فيكون في الرؤيا الصادقة حينئذ بعض غنى؛ ولو كان المراد بالاقتراب الاعتدال؛ لما قيده بـ " المسلم" ؛ وقيل: المراد: إذا اقترب أجل الإنسان؛ بمشيبه؛ فإن رؤياه قلما تكذب؛ لصفاء باطنه؛ ونزوع الشهوات عنه؛ فنفسه حينئذ لمشاهدة الغيب أميل؛ وقوله: " لم تكد رؤيا المسلم تكذب" ؛ مبالغة في " لم تكذب" ؛ أي: لم تقرب أن تكذب؛ [ ص: 292 ] فضلا عن أن تكذب؛ ومنه قول ذي الرمة :


إذا غير الدهر المحبين لم يكد ... رسيس الهوى من حب مية يبرح



أي: لم يقرب من البراح؛ فما باله يبرح؟! ذكره الزمخشري ؛ وقال القاضي: اختلف في خبر " كاد" ؛ المنفي؛ والأظهر أنه يكون أيضا منفيا؛ لأن حرف النفي الداخل على " كاد" ؛ ينفي حصوله؛ والنافي لقرب حصول الشيء أدل على نفيه في نفسه؛ ويدل عليه قوله (تعالى): إذا أخرج يده لم يكد يراها ؛ قال القاضي: وأول الأقوال هو الأصح؛ لأنه جاء في رواية أخرى: " إذا كان آخر الزمان" ؛ (وأصدقهم) ؛ أي: المسلمين؛ المدلول عليهم بلفظ: " المسلم" ؛ (رؤيا أصدقهم حديثا) ؛ أي: قولا؛ ولفظ رواية مسلم - فيما وقفت عليه في نسخ صحيحة -: " أصدقكم رؤيا أصدقكم حديثا" ؛ وذلك لأن من كثر صدقه تنور قلبه؛ وقوي إدراكه؛ فانشقت فيه المعاني على وجه الصحة؛ والاستقامة؛ وظاهره أنه على إطلاقه؛ وقيل: يكون آخر الزمان؛ عند ارتفاع العلم؛ وموت الصلحاء؛ فجعل جبرا وعوضا؛ والأول أظهر؛ لأن غير الصادق في حديثه يتطرق الخلل إلى رؤياه؛ وحكايته إياها؛ ذكره النووي ؛ وقد قال بعض العارفين: ولما كان المصطفى - صلى الله عليه وسلم - أصدق الناس؛ كان لا يرى رؤيا إلا جاءت كفلق الصبح؛ فكان لا يحدث بحديث عن تزوير يزوره في نفسه؛ بل يحدث بما يدركه بإحدى قواه الحسية؛ أو كلها؛ ما كان يقول ما لم يكن؛ ولا ينطق في اليقظة عن شيء تصوره في الخيال؛ ما لم ير لتلك الصورة عين في الحس.

(ق هـ) ؛ في الرؤيا؛ (عن أبي هريرة ) .

التالي السابق


الخدمات العلمية