صفحة جزء
512 - " إذا بلغ الماء قلتين؛ لم يحمل الخبث " ؛ (حم 3 حب قط ك هق) ؛ عن ابن عمر ؛ (صح).


(إذا بلغ الماء قلتين) ؛ بقلال هجر؛ كما في رواية أخرى ضعيفة؛ وفي رواية: " إذا كان الماء قلتين" ؛ وفيه مضاف محذوف؛ أي: " ملء قلتين" ؛ أو " قدر قلتين" ؛ وهما خمس قرب؛ وقدرهما بالوزن خمسمائة رطل بغدادي؛ تقريبا؛ وبالحلبي تسع وثمانون رطلا؛ وثلاث أواق وخمسة وعشرون درهما؛ وخمسة أسباع درهم؛ قال الولي العراقي عن شيخه البلقيني: الأصح أنها - تقريب - أرطالا -تحديد - قربا؛ (لم يحمل الخبث) ؛ أي: النجس؛ يعني: يدفعه؛ ولا يقبله؛ يقال: " فلان لا يحمل الضيم" ؛ أي: يدفعه عن نفسه؛ وزعم أن المراد أنه يضعف عن حمله فينجس بوقوعه فيه؛ يرده رواية أبي داود: " فإنه لا ينجس" ؛ ورواية غيره: " لم ينجسه شيء" ؛ على أن الضعف إنما يكون في الأجسام؛ لا المعاني؛ وفي الخبر من البلاغة والفخامة ما لا يخفى؛ فإنه سئل عن الماء وما ينوبه من الدواب والسباع؛ فأورد الجواب معللا بذكر السبب المانع من نجاسته؛ وهو بلوغه قلتين؛ ولو أجابه بأنه طاهر؛ أو نجس؛ حصل الغرض؛ لكنه عدل إلى الجواب المعلل المحدد لها فيه من زيادة البيان؛ وتقرير البرهان؛ وأنه لو لم يحده بذلك استوى القليل؛ والكثير في الحكم؛ وذلك في محل الإبهام؛ ذكره ابن الأثير؛ وغيره؛ قال القاضي: والحديث بمنطوقه يدل على أن الماء إذا بلغ قلتين؛ لم ينجس بملاقاة النجس؛ وذلك إذا لم يتغير؛ وإلا كان نجسا؛ لخبر: " خلق الله الماء لا ينجسه شيء؛ إلا ما غلب على طعمه؛ أو لونه؛ أو ريحه" ؛ وبمفهومه على أن ما دونه ينجس بالملاقاة؛ وإن لم يتغير؛ لأنه علق عدم التنجيس ببلوغه قلتين؛ والمعلق بشرط يعدم عند عدمه؛ ويلزم تغير الحالين في المتنجس؛ وعدمه؛ والمفارقة بين الصورتين حال التغير منتفية إجماعا؛ فتعين أن يكون حين ما لم يتغير؛ وذلك ينافي عموم الحديث المذكور؛ فمن قال بالمفهوم؛ وجوز تخصيص المنطوق به؛ كالشافعي؛ خصص عمومه به؛ فيكون كل واحد من الحديثين مخصصا للآخر؛ ومن لم يجوز ذلك؛ لم يلتفت إليه؛ وأجرى الحديث الثاني على عمومه؛ كمالك؛ فإنه لا ينجس الماء إلا بالتغير؛ قل أو كثر؛ وهو مذهب ابن عباس ؛ وابن المسيب ؛ والحسن البصري ؛ وعكرمة ؛ وسعيد بن جبير ؛ وعطاء ؛ وعبد الرحمن بن أبي ليلى ؛ وجابر بن زيد ؛ ويحيى بن سعيد القطان؛ وعبد الرحمن بن مهدي؛ والأوزاعي ؛ وسفيان الثوري ؛ وداود؛ ونقل عن أبي هريرة ؛ والنخعي ؛ قال ابن المنذر : وبهذا المذهب أقول؛ واختاره الغزالي في الإحياء؛ والروياني في كتابيه: " البحر" ؛ و" الحلية" ؛ وطعنوا في حديث القلتين بأنه مشترك بين قلة الجبل؛ وقامة الرجل؛ وشموله نحو كوز وجرة؛ والمشترك [ ص: 313 ] لا يصح حدا؛ ولأنه روي: " قلتان" ؛ و" ثلاث" ؛ و" أربع" ؛ فالأخذ بالقلتين ترجيح بلا مرجح؛ رد الأول بأنه للآنية؛ لأنه أشهر في الخطاب؛ وأكثر عرفا؛ والثاني بأنه لما قدر بعدد دل على أنه أكثرها؛ والثالث بأنه ورد: " من قلال هجر" ؛ وهي تسع قربتين؛ وشيئا؛ فحمل الشيء على النصف احتياطا؛ وخبر الثلاث؛ والأربع؛ على ما يقل باليد؛ شك فيه الراوي؛ ومعنى: لم يحمل خبثا: لم يقبله؛ لقوله (تعالى): حملوا التوراة ثم لم يحملوها ؛ أي: لم يقبلوها؛ للعمل بها؛ ولأنه روي: " لا ينجس" ؛ فحمل " لم يحمل خبثا" ؛ على عدم قبول النجاسة؛ جمعا؛ ولأنه لولاه لم يكن لذكر القلتين وجه.

(حم 3 حب قط ك) ؛ وصححه؛ (هق)؛ كلهم؛ (عن ابن عمر) ؛ ابن الخطاب ؛ قال: سئل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عن الماء؛ يكون بأرض فلاة؛ وما ينوبه؛ وفي رواية " ينتابه" ؛ من السباع والدواب؛ فذكره؛ وفي غالب الطرق لم يذكر أرض الفلاة؛ قال جدي في أماليه: حديث حسن صحيح؛ وقال شيخه العراقي: سكت عليه أبو داود ؛ فهو صالح للاحتجاج؛ وقول صاحب هداية الحنفية: ضعفه أبو داود ؛ وهم؛ وكفى شاهدا على صحته أن نجوم أهل الحديث صححوه؛ ابن خزيمة ؛ وابن حبان ؛ واعترف الطحاوي بصحته؛ وقال المنذري: إسناده جيد؛ لا غبار عليه؛ والحاكم على شرطهما؛ وابن معين: جيد؛ والنووي في الخلاصة: صحيح؛ والبيهقي : موصول صحيح؛ ولم ير الاضطراب فيه قادحا؛ قال ابن حجر: أطنب الدارقطني في استيعاب طرقه؛ وجود ابن دقيق العيد في الإمام الكلام عليه؛ ووافق الشافعي على العمل به أحمد ؛ دون الإمامين.

التالي السابق


الخدمات العلمية