صفحة جزء
56 - " أبغض العباد إلى الله من كان ثوباه خيرا من عمله: أن تكون ثيابه ثياب الأنبياء؛ وعمله عمل الجبارين " ؛ (عق فر) ؛ عن عائشة ؛ (ض).


( أبغض العباد ) ؛ بكسر العين؛ والتخفيف؛ جمع " عبد" ؛ ويحتمل ضمها؛ والتشديد؛ جمع " عابد" ؛ ويشبه أنه أولى؛ لما في إجراء أفعل التفضيل على حقيقته من العموم؛ والصعوبة المحوجة إلى التأويل؛ (إلى الله؛ من) ؛ أي: إنسان؛ (كان ثوباه) ؛ أي: إزاره ورداؤه؛ وأصل " الثوب" ؛ رجوع الشيء إلى حالته الأولى التي كان عليها؛ أو إلى حالته المقدرة المقصودة بالفكرة؛ فمن الثاني " الثوب" ؛ سمي به لرجوع الغزل إلى الحالة التي قدر لها؛ ذكره الراغب ؛ (خيرا من عمله) ؛ يعني: من تزيا بزي الأبرار؛ وعمله كعمل الفجار؛ كما فسره بقوله: (أن تكون ثيابه ثياب الأنبياء) ؛ أي: كثيابهم الدالة على التنسك؛ [ ص: 81 ] والتزهد؛ (وعمله عمل الجبارين) ؛ أي: كعملهم في البطش بالخلائق؛ ونسيان نقمة الخالق؛ وعدم التخلق بالرحمة؛ والتهافت على جمع الحطام؛ و" الجبار" : المتكبر المتمرد العاتي؛ وقال القاضي: " فعال" ؛ من " جبره على الأمر" ؛ بمعنى " أجبره" ؛ وهو من يجبر الناس على ما يريده؛ وقال الزمخشري : " الجبار" : الذي يفعل ما يريد؛ من ضرب؛ وقتل؛ فيظلم؛ لا ينظر في العواقب؛ ولا يدفع بالتي هي أحسن؛ وقيل: المتعظم؛ الذي لا يتواضع لأمر الله (تعالى)؛ انتهى؛ وذلك لأن أحب الخلق إلى الله (تعالى) الأنبياء؛ والصديقون؛ فأبغض الخلق إليه من يتشبه بهم وليس منهم؛ فمن تشبه بأهل الصدق والإخلاص وهو مراء؛ كمن تشبه بالأنبياء وهو كاذب؛ وفيه أن من ظهر من جهال الطريق؛ وبرز بالعدول عن التحقيق؛ وتقشف تقشف أهل التجريد؛ وتمزق حتى أوقع عقول العامة في الحرج الشديد؛ فهو من الأخسرين أعمالا الذين ضل سعيهم في الحياة الدنيا وهم يحسبون أنهم يحسنون صنعا.

(عق)؛ وقال في الأصل: إنه منكر؛ وأقره عليه (فر)؛ كلاهما من حديث يحيى بن عثمان ؛ عن أبي صالح ؛ كاتب الليث ؛ عن سليم بن عيسى؛ عن النوري؛ عن جعفر بن برقان؛ عن ميمون ؛ (عن عائشة ) ؛ ويحيى جرحه ابن حبان ؛ وكاتب الليث فيه مقال؛ وسليم متروك مجهول؛ وابن برقان لا يحتج به؛ ولهذا قال ابن الجوزي : موضوع؛ وأقره عليه في الأصل؛ وقال العقيلي : منكر؛ وفي الميزان: باطل؛ وبه علم أن عزو المؤلف الحديث للعقيلي؛ وسكوته عما عقبه به من الرد؛ غير صواب؛ وممن جزم بوضعه ابن عراق؛ والهندي .

التالي السابق


الخدمات العلمية