صفحة جزء
597 - " إذا دعا أحدكم؛ فليعزم المسألة؛ ولا يقل: اللهم إن شئت فأعطني؛ فإن الله لا مستكره له " ؛ (حم ق ن) ؛ عن أنس .


(إذا دعا أحدكم) ؛ ربه؛ (فليعزم) ؛ بلام الأمر؛ (المسألة) ؛ لفظ رواية مسلم : " فليعزم في الدعاء" ؛ أي: فليطلب طلبا جازما؛ من غير شك؛ ويجتهد في عقد قلبه على الجزم بوقوع مطلوبه؛ إحسانا للظن بكرم ربه (تعالى)؛ ثم بين العزم بقوله: (ولا) ؛ يعلق ذلك بنحو مشيئته؛ فلا (يقل: اللهم إن شئت فأعطني) ؛ بهمزة قطع؛ أي: لا يشترط المشيئة بعطائه؛ لأن من اليقينيات أنه لا يعطي إلا إن شاء؛ فلا معنى لذكر المشيئة؛ بل فيه صورة استغناء عن المطلوب؛ والإخلاص في العبودية يقتضي الجزم بالطلب؛ فيطلب طلب مفتقر مضطر من قادر مختار؛ وفي رواية - بدل " فأعطني" -: " اغفر لي" ؛ وفي أخرى: " ارحمني" ؛ وفي أخرى: " ارزقني" ؛ وفي رواية تقديم المشيئة؛ كما هنا؛ وفي رواية تأخيرها؛ قال ابن حجر: وهذه كلها أمثلة تتناول جميع ما يدعى به؛ قال الزمخشري : و" العزم" : التصميم والمضي على فعل شيء؛ أو تركه؛ بعقد القلب عليه؛ وأن يتصلب فيه؛ (فإن الله) ؛ يعطي ما يشاء لمن يشاء؛ ومن هو كذلك (لا مستكره) ؛ بكسر الراء؛ وفي رواية: " لا مكره" ؛ (له) ؛ أي: يستحيل أن يكرهه أحد على شيء؛ لأن الأسباب إنما تكون بمشيئته؛ فما شاء كان؛ وما لم يشأ لم يكن؛ وهو إذا أراد إسعاد عبد من عبيده ألهمه الدعاء؛ وليس في الوجود من يكرهه على خلاف مراده؛ فالتعليق بالمشيئة وغيرها من قبيل العبث؛ الذي ينزه جناب المدعو المقدس عنه؛ فيكره ذلك؛ تنزيها؛ ومن قال: لا يجوز؛ كابن عبد البر؛ أراد نفي الحمل المستوي الطرفين؛ كما أشار إليه النووي ؛ [ ص: 343 ] فإطلاق التحريم بدون هذه الإرادة سقيم؛ وفيه ندب إلى رجاء الإجابة؛ قال ابن عيينة : لا يمنعن أحدكم الدعاء ما يجد في نفسه من التقصير؛ فإنه (تعالى) أجاب دعاء شر خلقه؛ إبليس؛ حين قال: " أنظرني..." ؛ إلخ ؛ وفيه أن الرب لا يفعل إلا ما يشاء؛ لا يكرهه أحد على ما يختاره؛ كما قد يكره الشافع المشفوع له عنده؛ وكما يكره السائل المسؤول إذا ألح عليه؛ فالرغبة يجب أن تكون إليه؛ كما قال: وإلى ربك فارغب ؛ والرهبة تكون منه؛ كما قال: وإياي فارهبون

(حم ق) ؛ في الدعوات؛ (عن أنس ) ؛ قال المناوي: رواه الجماعة كلهم؛ إلا النسائي .

التالي السابق


الخدمات العلمية