صفحة جزء
840 - " إذا كذب العبد كذبة؛ تباعد عنه الملك ميلا؛ من نتن ما جاء به " ؛ (ت حل)؛ عن ابن عمر ؛ (ح).


(إذا كذب العبد كذبة) ؛ بفتح الكاف؛ والنصب؛ أي: واحدة؛ منهيا عنها؛ (تباعد الملك) ؛ يحتمل أن " ال" ؛ جنسية؛ ويحتمل أنها عهدية؛ والمعهود الحافظ؛ (عنه ميلا) ؛ وهو منتهى مد البصر؛ أو هو أن ينظر إلى شخص بأرض مستوية فلا يدري أذكر؛ أم أنثى؛ ذاهب؛ أم آت؛ وفي اصطلاح أهل الهيئة ثلاثة آلاف ذراع؛ وعند المحدثين أربعة آلاف؛ والخلف لفظي؛ لأن مراد الأولين: ذراع العمل؛ والثاني ذراع اليد؛ ويظهر أن المراد بالميل هنا: التكثير؛ (من نتن ما جاء به) ؛ أي: من أجل نتن ريح ما نطق به ذلك الكاذب من الكذب؛ وفي رواية لابن عدي : " من نتن ريحه" ؛ فإن قيل: كيف يكون للقول رائحة؟! قلنا: تعلق الروائح بالأجسام وخلقها فيها؛ عادة؛ لا طبيعة؛ فإذا شاء الباري خلقها مقرونة بالأعراض؛ فتنسب إليها نسبتها إلى الأجسام؛ قال الطيبي: وإذا تباعد الملك من نتن نحو بصل وثوم؛ وتأذى به؛ فتباعده من الكذب أولى؛ وأخذ من الخبر أن الملائكة تدرك من الآدمي ريحا خبيثا عند تلفظه بالمعصية؛ وهل هذه الريح حسية؛ أم معنوية؟ احتمالان؛ رجح بعضهم الأول؛ ولا يقدح فيه عدم إدراكنا لها؛ لأن لها - كما قال ابن عربي - حجابا على الأنف؛ يمنعنا من إدراك نتنه؛ بل أكابر المؤمنين يدركونه حسيا؛ ألا ترى إلى خبر أحمد عن جابر : كنا مع النبي - صلى الله عليه وسلم - فارتفعت ريح منتنة؛ فقال: " أتدرون ما هذه الريح؟ هذه ريح الذين يغتابون المؤمنين" ؛ وأخذ منه جمع صوفية أنه يتعين على مريد نحو صلاة؛ أو ذكر؛ أن يطهر الظاهر؛ والباطن؛ لئلا يؤذي أحدا من أهل الحضرة الإلهية؛ من أنبياء؛ وملائكة؛ وأولياء؛ بنتن ريحه المتولد [ ص: 435 ] من الذنوب؛ سيما الفم؛ إذا نطق بما لا يحل؛ فإن أهل الحضرة لرقة حجابهم؛ وطهارة بواطنهم؛ يشمون رائحة المخالفات؛ ولهذا قال مالك بن دينار : والله لو كان الناس يشمون روائح المعاصي؛ كما أشمها؛ ما استطاع أن يجالسني أحد من نتن ريحي؛ وقد تطابق على قبح الكذب جميع الملل والنحل؛ قال في الكشاف - في قوله - سبحانه وتعالى -: ما شهدنا مهلك أهله وإنا لصادقون ؛ هذا دليل قاطع على أن الكذب قبيح عند الكفرة؛ الذين لا يعرفون الشرع؛ وواهية؛ لا يخطر ببالهم؛ ألا ترى أنهم قصدوا قتل نبي الله؛ ولم يرضوا لأنفسهم بكونهم كاذبين؛ حتى سووا للصدق في خبرهم حيلة يتخلصون بها عن الكذب؟! انتهى.

(تنبيه) قال بعضهم: العالم كله مشحون بالملائكة؛ وأذيتهم وأذية مواطنهم؛ وهي مساجدهم التي يتعبدون فيها؛ محرمة علينا؛ فليس في العالم موضع شبر إلا وفيه جبهة ملك؛ كما يأتي؛ فالعالم كله مسجد لهم؛ فأذيتهم بالمعاصي؛ وريح الذنوب؛ وإكرامهم بكف الأذى عنهم؛ وترك الكذب؛ وكشف العورة؛ والقبائح؛ فالكف عن ذلك إكرام للملإ الأعلى المجاورين للقلوب والأرواح والنفوس في عالم الملكوت؛ والأجسام في عالم الملك.

(ت) ؛ في الزهد؛ (حل)؛ في ترجمة ابن أبي داود؛ (عن ابن عمر ) ؛ قال الترمذي : جيد؛ غريب؛ تفرد به عبد الرحيم بن هارون؛ انتهى؛ وعبد الرحيم قال الدارقطني : متروك الحديث؛ يكذب؛ وذكر له ابن عدي مناكير؛ وبه يعرف ما في رمز المصنف لحسنه؛ تبعا لتجويد الترمذي .

التالي السابق


الخدمات العلمية