صفحة جزء
895 - " إذا وقع الذباب في إناء أحدكم؛ فليغمسه؛ فإن في إحدى جناحيه داء؛ وفي الآخر شفاء؛ وإنه يتقي بجناحه الذي فيه الداء؛ فليغمسه كله؛ ثم لينزعه " ؛ (د حب) ؛ عن أبي هريرة .


(إذا وقع) ؛ أي: سقط؛ (الذباب) ؛ بذال معجمة؛ واحده: " ذبابة" ؛ (في شراب أحدكم) ؛ ماء؛ أو غيره من المائعات؛ وفي رواية ابن ماجه : " إذا وقع في الطعام" ؛ وفي أخرى: " وقع في إناء أحدكم" ؛ و" الإناء يكون فيه كل مأكول؛ ومشروب؛ [ ص: 454 ] (فليغمسه) ؛ وفي رواية: " فليمقله" ؛ زاد الطبراني : " كله" ؛ وفيه دفع توهم المجاز في الاكتفاء بغمس بعضه؛ والأمر إرشادي؛ لمقابلة الداء بالدواء؛ (ثم لينزعه) ؛ وفي رواية البخاري : " لينتزعه" ؛ بزيادة فوقية قبل الزاي؛ وفي الطبراني : " ثم ليطرحه" ؛ وفي البزار برجال ثقات أنه يغمس ثلاثا؛ مع قول: " بسم الله" ؛؛ (فإن في إحدى) ؛ بكسر الهمزة؛ وسكون الحاء؛ (جناحيه) ؛ وهو الأيسر؛ على ما قيل؛ وإنما قال: " إحدى" ؛ لأن " الجناح" ؛ يذكر؛ ويؤنث؛ لقولهم في جمعه: " أجنحة" ؛ و" أجنح" ؛ فـ " أجنح" ؛ جمع المذكر؛ و" أجنحة" ؛ جمع المؤنث؛ (داء) ؛ أي: قوة سمية؛ يدل عليها الورم؛ والحكة العارضة عند لدغه؛ وهي بمنزلة سلاحه؛ فإذا سقط في شيء تلقاه بها؛ قال الزركشي: و" داء" ؛ منصوب؛ اسم " إن" ؛ (وفي الأخرى) ؛ بضم الهمزة؛ قيل: وهي اليمنى؛ وفي رواية: " الآخر" ؛ بالتذكير؛ (شفاء) ؛ حقيقة؛ فأمر الشارع بمقابلة السمية بما في جناحه الآخر من الشفاء؛ ولا بعد في حكمة الله أن يجعلهما في جزء الحيوان الواحد؛ كالعقرب؛ بإبرتها السم؛ ويداوى منه بجزء منها؛ فلا ضرورة للعدول عن الحقيقة هنا؛ وجعله مجازا؛ كما وقع للبعض؛ حيث جعله من الطب الروحاني؛ بمعنى إصلاح الأخلاق؛ وتقويم الطباع؛ بإخراج فاسدها؛ وتبقية صالحها؛ قال التوربشتي : ووجدنا لكون أحد جناحي الذباب داء والآخر دواء؛ فيما أقامه الله لنا من عجائب خلقه؛ وبدائع فطرته؛ شواهد ونظائر؛ منها النحلة؛ يخرج من بطنها شراب نافع ؛ وبث في إبرتها السم الناقع؛ والعقرب تهيج الداء بإبرتها؛ ويتداوى من ذلك بجرمها؛ وأما اتقاؤه بالجناح الذي فيه هذا الداء على ما ورد في رواية؛ فإنه (تعالى) ألهم الحيوان بطبعه ما هو أعجب منه؛ فلينظر المتعجب من ذلك إلى النملة؛ كيف تسعى لجمع القوت؛ وتصون الحب على المدى؛ وتجفف الحب إذا أثر فيه الندى؛ ثم تقطع الحب لئلا ينبت؛ وتترك الكزبرة بحالها؛ لكونها لا تنبت وهي صحيحة؛ فتبارك الله! وفيه أن الماء القليل والمائع لا ينجس بوقوع ما لا نفس له سائلة فيه؛ إذ غمسه يفضي لموته؛ فلو نجسه لم يأمر به؛ لكن شرطه ألا يغير؛ ولا يطرح؛ وبهذا أخذ الشافعي ؛ ونوزع بأن المقل لا يوجب الموت؛ فهو للمنع عن العيافة؛ فإن سلم فإلحاق كل ما لا نفس له سائلة به باطل؛ إذ قد لا يعم وجوده؛ ورد الأول بأن المقل سبب للموت؛ فلو نجس لم يأمر به؛ إذ مظنة النجاسة كالنجاسة؛ والثاني بأن سبب عفوه عدم الدم المتعفن؛ فيطرد في كل ما اتصف به.

(خ هـ؛ عن أبي هريرة ) .

التالي السابق


الخدمات العلمية