صفحة جزء
91 - " أتاني آت من عند ربي - عز وجل - فقال: من صلى عليك من أمتك صلاة؛ كتب الله له بها عشر حسنات؛ ومحا عنه عشر سيئات؛ ورفع له عشر درجات؛ ورد عليه مثلها " ؛ (حم)؛ عن أبي طلحة ؛ (صح).


(أتاني آت من عند ربي - عز وجل - فقال: من صلى عليك من أمتك) ؛ الإضافة للتشريف؛ قال الحراني : الصلاة: الإقبال بالكلية على أمر؛ فيكون من الأعلى عطفا شاملا؛ ومن الأدنى وفاء بأنحاء التذلل؛ والإقبال بالكلية على التلقي؛ (صلاة) ؛ أي: طلب لك من الله دوام التشريف؛ ومزيد التعظيم؛ ونكرها ليفيد حصولها بأي لفظ كان؛ لكن الأفضل ما في الصحيح: " قولوا: اللهم صل على محمد" ؛ وقال: " من صلى" ؛ دون " من ترحم" ؛ إيذانا بأنه لا يدعى له بالرحمة؛ كما في الاستذكار؛ وإن كانت بمعنى الصلاة؛ عند كثيرين؛ لأنه خص بلفظها؛ تعظيما؛ فلا ينبغي إطلاقها عليه إلا تبعا للصلاة؛ أو السلام؛ كما في التشهد؛ (كتب الله) ؛ قدر؛ أو أوجب؛ أو في اللوح؛ أو في جبينه؛ أو في صحيفته؛ وعلى ما عدا الأولين فإضافة الكتابة للذات المتعالية للتشريف؛ إذ الكاتب الملائكة؛ (له بها عشر حسنات) ؛ أي: ثوابها؛ مضاعفا إلى سبعمائة ضعف؛ إلى أضعاف كثيرة؛ لأن الصلاة ليست حسنة واحدة؛ بل حسنات؛ إذ بها تجديد الإيمان بالله أولا؛ ثم بالرسالة؛ ثم بتعظيمه؛ ثم العناية بطلب الكرامة له؛ ثم بتجديد الإيمان باليوم الآخر؛ ثم بذكر الله؛ ثم بتعظيمه؛ بنسبتهم إليه؛ ثم بإظهار المودة؛ ثم بالابتهال؛ والتضرع في الدعاء؛ ثم بالاعتراف بأن الأمر كله لله؛ وأن النبي - صلى الله عليه وسلم - مع جلالة قدره مفتقر إلى رحمة ربه؛ فهذه عشر حسنات؛ قال الراغب : والحسنة يعبر بها عن كل ما يسر من نعمة ينالها الإنسان في نفسه؛ وبدنه؛ ومتعلقاته؛ سميت به لحسنها؛ و" السيئة" ؛ تضادها؛ وهما من الألفاظ المشتركة؛ كـ " الحيوان" ؛ الواقع على أنواع مختلفة؛ قال الحراني : والعشرة بعدها الآحاد في أوله؛ وقال القاضي: أول عدد كامل؛ إذ به تنتهي الآحاد؛ (ومحا) ؛ أزال؛ يقال: " محوته؛ محوا" ؛ و" محيته؛ محيا" ؛ أزلته؛ وذلك بأن يمحوها من صحف الحفظة؛ وأفكارهم؛ (عنه عشر سيئات) ؛ جمع " سيئة" ؛ أي: قبيحة؛ سميت به لسوئها لصاحبها؛ والفرق بينها وبين الخطيئة أنها قد تقال فيما يقصد بالذات؛ والخطيئة تغلب فيما يقصد بالعرض؛ لأنها من الخطإ؛ ذكره القاضي؛ (ورفع له) ؛ في الجنة؛ (عشر درجات) ؛ رتبا عالية فيها؛ و" الدرجات" : الطبقات من المراتب؛ قال الزمخشري : من المجاز: " لفلان درجة رفيعة" ؛ (ورد عليه مثلها) ؛ أي: رحمه؛ وضاعف أجره؛ نقله النووي عن عياض؛ ثم قال: وقد تكون الصلاة على وجهها وظاهرها كلاما تسمعه الملائكة تشريفا؛ وقال ابن القيم: ليست الصلاة مرادفة للرحمة؛ لعطفها عليها؛ ولأن صلاته خاصة بخواصه؛ ورحمته وسعت كل شيء؛ نعم؛ الرحمة من لوازمها؛ فمن فسرها بها فقد فسرها ببعض لوازمها؛ وما ذكر في هذا الخبر يدل عليه؛ إذ صلاة العبد على النبي - صلى الله عليه وسلم - ليست هي رحمة من العبد؛ لتكون صلاة الله عليه من جنسها؛ بل ثناء عليه؛ والجزاء من جنس العمل؛ فمن أثنى على رسوله؛ جازاه بمثل عمله؛ بأن يثني عليه؛ فصح ارتباط الجزاء بالعمل؛ ومشاكلته له؛ فيا لها من بشارة ما أسناها! وظاهره حصول الثواب الموعود؛ وإن لم تقترن الصلاة بسلامه؛ فيشكل على نقل النووي كراهة الإفراد؛ وحصوله مع قرب المصلى عليه؛ وبعده؛ وأنه لا مزية للصلاة عند قبره عليها من بعد؛ لكن ذهب بعضهم إلى أنها عند قبره أفضل.

(حم)؛ وابن أبي شيبة ؛ (عن أبي طلحة ) ؛ زيد بن سهل الأنصاري؛ قال: دخلت على النبي - صلى الله عليه وسلم - وأسارير وجهه تبرق؛ فقلت: ما رأيتك بأطيب نفسا؛ ولا أظهر بشرا من يومك؛ قال: وما لي لا تطيب نفسي؛ ويظهر بشري..." ؛ ثم ذكره؛ رمز المصنف لصحته.

التالي السابق


الخدمات العلمية