صفحة جزء
908 - " أرأف أمتي بأمتي أبو بكر ؛ وأشدهم في دين الله عمر ؛ وأصدقهم حياء عثمان ؛ وأقضاهم علي؛ وأفرضهم زيد بن ثابت ؛ وأقرؤهم أبي؛ وأعلمهم بالحلال؛ والحرام معاذ بن جبل ؛ ألا وإن لكل أمة أمينا؛ وأمين هذه الأمة أبو عبيدة بن الجراح " ؛ (ع)؛ عن ابن عمر ؛ (ض).


(أرأف) ؛ في رواية للطبراني وغيره: " أرحم" ؛ (أمتي بأمتي) ؛ أي: أكثرهم رأفة؛ أي: شدة رحمة؛ ( أبو بكر ) ؛ لأن شأنه العطف والرحمة واللين والقيام برعاية تدبير الحق (تعالى)؛ ومراقبة صنعه؛ فكان يدور مع الله في التدبير؛ ويستعمل اللين مع الكبير؛ والصغير؛ و" الرأفة" : أرق الرحمة؛ كذا ذكره أهل المعاني؛ وقال الحراني : هي عطف العاطف على من يجد عنده منة وصلة؛ فهي رحمة ذي الصلة بالراحم؛ (وأشدهم) ؛ ذكره نظيرا للمعنى؛ أقواهم صرامة؛ وأصلبهم شكيمة؛ (في دين الله عمر ) ؛ لغلبة سلطان الجلال على قلبه؛ فأبو بكر مع المبتدإ؛ وهو الإيمان؛ وعمر مع ما يتلوه؛ وهو الشريعة؛ لأن حق الله على عباده أن يوحدوه؛ فإذا وحدوه فحقه أن يعبدوه بما أمر؛ ونهى؛ ولذا قيل لأبي بكر: " الصديق " ؛ لأنه صدق بالإيمان بكمال الصدق؛ وعمر : " فاروق" ؛ لأنه فرق بين الحق؛ والباطل؛ وأسماؤهما تدل على مراتبهما بالقلوب؛ وشأن درجتهما في الأخبار متواترة؛ (وأصدقهم حياء) ؛ من الله؛ ومن الخلق؛ ( عثمان ) ؛ ابن عفان ؛ فكان يستحي حتى من حلائله؛ وفي خلوته؛ ولشدة حيائه كانت تستحي منه ملائكة الرحمن؛ وسيجيء في خبر: " إن الحياء من الإيمان" ؛ فكأنه قال: " أصدق الناس إيمانا عثمان " ؛ وفي خبر: " الحياء لا يأتي إلا بخير" ؛ فكأنه قال: " عثمان لا يأتي منه إلا الخير" ؛ أو " لا يأتي إلا بالخير" ؛ (وأقضاهم علي) ؛ أي: أعرفهم بالقضاء بأحكام الشرع؛ قال السمهودي: ومعلوم أن العلم هو مادة القضاء؛ قال الزمخشري : سافر رجل مع صحب له؛ فلم يرجع حين رجعوا؛ فاتهمهم أهله؛ فرفعوهم إلى شريح ؛ فسألهم البينة على قتله؛ فارتفعوا إلى علي؛ فأخبروه بقول شريح ؛ فقال:


أوردها سعد وسعد مشتمل ... ما هكذا يا سعد تورد الإبل



ثم قال: إن أصل السقي التشريع؛ ثم فرق بينهم؛ وسألهم؛ فاختلفوا؛ ثم أقروا بقتله؛ فقتلهم به؛ وأخباره في هذا الباب مع عمر وغيره لا تكاد تحصى؛ قالوا: وكما أنه أقضى الصحب في العلم الظاهر؛ فهو أفقههم بالعلم الباطن؛ قال الحكيم [ ص: 460 ] الترمذي في قول المصطفى - صلى الله عليه وسلم - لعلي: " البس الحلة التي خبأتها لك" : هي عندنا حلة التوحيد؛ فإن الغالب على علي التقدم في علم التوحيد؛ وبه كان يبرز على عامة أصحاب رسول الله - صلى الله عليه سلم -؛ إلى هنا كلامه؛ (وأفرضهم) ؛ أي: أكثرهم علما بمسائل قسمة المواريث؛ وهو علم الفرائض؛ ( زيد بن ثابت ) ؛ أي أنه يصير كذلك؛ ومن ثم كان الحبر ابن عباس يتوسد عتبة بابه ليأخذ عنه؛ (وأقرؤهم) ؛ أي: أعلمهم بقراءة القرآن؛ ( أبي) ؛ ابن كعب ؛ بالنسبة لجماعة مخصوصين؛ أو وقت من الأوقات؛ فإن غيره كان أقرأ منه؛ أو أكثرهم قراءة؛ أو أنه أتقنهم للقرآن؛ وأحفظهم له؛ (وأعلمهم بالحلال؛ والحرام) ؛ أي: بمعرفة ما يحل؛ ويحرم من الأحكام؛ ( معاذ بن جبل ) ؛ الأنصاري؛ يعني أنه سيصير كذلك بعد انقراض عظماء الصحابة؛ وأكابرهم؛ وإلا فأبو بكر وعمر وعلي أعلم منه بالحلال؛ والحرام؛ وأعلم من زيد بن ثابت في الفرائض؛ ذكره ابن عبد الهادي؛ قال: ولم يكن زيد على عهد المصطفى - صلى الله عليه وسلم - مشهورا بالفرائض أكثر من غيره؛ ولا أعلم أنه تكلم فيها على عهده؛ ولا عهد الصديق - رضي الله عنهم -؛ (ألا وإن لكل أمة أمينا) ؛ أي: يأتمنونه ويثقون به؛ ولا يخافون غائلته؛ (وأمين هذه الأمة) ؛ المحمدية؛ ( أبو عبيدة عامر بن الجراح) ؛ أي: أشدهم محافظة على الأمانة؛ وتباعدا عن مواقع الخيانة؛ و" الأمين" : المأمون؛ وهو مأمون الغائلة؛ أي: ليس له غدر؛ ولا مكر؛ وقال ابن حجر: " الأمين" : الثقة الرضي؛ وهذه الصفة وإن كانت مشتركة بينه وبين غيره؛ لكن السياق يشعر بأن له مزية فيها؛ لكن خص النبي - صلى الله عليه وسلم - كل واحد من الكبار بفضيلة؛ وصفه بها؛ فأشعر بقدر زائد فيها على غيره؛ أهـ؛ وإنما قطع هذا الأخير عما قبله وعنونه بحرف التنبيه؛ إشارة إلى أن أولئك لم يستأثروا بجميع المآثر الحميدة؛ بل لمن عداهم مناقب أخر؛ فكأنه قال: لا تظنوا تفرد أولئك بجموم المناقب؛ بل ثم من اختص بمزايا؛ منها عظم الأمانة؛ كأبي عبيدة.

(ع)؛ من طريق ابن السلماني؛ عن أبيه؛ (عن ابن عمر) ؛ ابن الخطاب ؛ وابن السلماني حاله معروف؛ لكن في الباب أيضا عن أنس ؛ وجابر ؛ وغيرهما؛ عن الترمذي ؛ وابن ماجه ؛ والحاكم ؛ وغيرهم؛ لكن قالوا في روايتهم - بدل " أرأف" -: " أرحم" ؛ وقال الترمذي : حسن صحيح؛ والحاكم : على شرطهما؛ وتعقبهم ابن عبد الهادي في تذكرته؛ بأن في متنه نكارة؛ وبأن شيخه ضعفه؛ بل رجح وضعه؛ أهـ؛ وقال ابن حجر في الفتح: هذا الحديث أورده الترمذي وابن حبان من طريق عبد الوهاب الثقفي عن خالد الحذاء؛ مطولا؛ وأوله " أرحم" ؛ وإسناده صحيح؛ إلا أن الحفاظ قالوا: إن الصواب في أوله الإرسال؛ والموصول منه ما اقتصر عليه البخاري ؛ أهـ؛

التالي السابق


الخدمات العلمية