صفحة جزء
916 - " أربع من كن فيه؛ كان منافقا خالصا؛ ومن كانت فيه خصلة منهن كانت فيه خصلة من النفاق؛ حتى يدعها: إذا حدث؛ كذب؛ وإذا وعد؛ أخلف؛ وإذا عاهد؛ غدر؛ وإذا خاصم؛ فجر " ؛ (حم ق 3)؛ عن ابن عمرو ؛ (صح).


(أربع) ؛ من الخصال؛ قال الكرماني: مبتدأ؛ بتقدير: " أربع خصال" ؛ وإلا فهو نكرة صرفة؛ والشرطية خبره؛ ويحتمل كون الشرطية صفة؛ و" إذا حدث..." ؛ إلخ؛ خبره؛ وقال التفتازاني: " أربع" ؛ مبتدأ؛ والجملة بعده صفة له؛ قال: والأحسن أن يجعل " أربع" ؛ خبرا مقدما؛ أو مبتدأ لخبر - وخصاله من: " إذا..." ؛ مفسر - أي: في الوجود أربع؛ (من كن فيه كان منافقا خالصا) ؛ نفاق عمل؛ لا نفاق إيمان؛ (ومن كانت فيه خصلة) ؛ بفتح الخاء؛ (منهن) ؛ أي: من هؤلاء الأربع؛ (كان فيه خصلة) ؛ بفتح الخاء؛ أي: خلة؛ (من النفاق؛ حتى يدعها) ؛ أي: يتركها؛ قال الحافظ ابن حجر: " النفاق" ؛ لغة: مخالفة الباطن للظاهر؛ فإن كان في اعتقاد الإيمان؛ فهو نفاق الكفر؛ وإلا نفاق العمل؛ ويدخل فيه الفعل؛ والترك؛ وتتفاوت مراتبه؛ وقوله: " خالصا" ؛ أي: شديد الشبه بالمنافقين؛ بسبب هذه الخصال؛ لغلبتها عليه؛ ومصيرها؛ خلقا وعادة وديدنا له: (إذا حدث) ؛ أي: أخبر عن ماضي الأحوال؛ (كذب) ؛ لتمهيد معذورته في التقصير؛ (وإذا وعد) ؛ بإيفاء عهد الله؛ (أخلف) ؛ أي: لم يف؛ (وإذا عاهد؛ غدر) ؛ أي: نقض العهد؛ (وإذا خاصم؛ فجر) ؛ مال في الخصومة عن الحق؛ وقال الباطل؛ قال البيضاوي : يحتمل أن يكون هذا مختصا بأبناء زمانه؛ فإنه علم بنور الوحي بواطن أحوالهم؛ وميز بين من آمن صدقا؛ ومن أذعن له نفاقا؛ وأراد تعريف أصحابه بحالهم؛ ليحذروهم؛ [ ص: 464 ] ولم يصرح بأسمائهم؛ لعلمه بأن منهم من يتوب؛ فلم يفضحهم؛ ولأن عدم التعيين أوقع في النصيحة؛ وأجلب للدعوة إلى الإيمان؛ وأبعد عن النفور والمخاصمة؛ ويحتمل كونه عاما لينزجر الكل عن هذه الخصال؛ على آكد وجه؛ إيذانا بأنها طلائع النفاق؛ الذي هو أسمج القبائح؛ فإنه كفر موه باستهزاء وخداع مع رب الأرباب؛ ومسبب الأسباب؛ فعلم من ذلك أنها منافية لحال المسلمين؛ فينبغي للمسلم ألا يرتع حولها؛ فإن من رتع حول الحمى؛ يوشك أن يقع فيه؛ ويحتمل أن المراد بالمنافق: العرفي؛ وهو من يخالف سره علنه مطلقا؛ ويشهد له قوله: " من كان فيه خصلة منهن..." ؛ إلخ؛ لأن الخصائل التي تتم بها المخالفة بين السر؛ والعلن؛ لا تزيد على هذا؛ فإن نقص منها خصلة؛ نقص الكمال؛ إلى هنا كلامه؛ قال الطيبي: والكذب أقبحها؛ لتعليله (تعالى) عذابهم به في قوله: ولهم عذاب أليم بما كانوا يكذبون ؛ ولم يقل: " بما كانوا يصنعون من النفاق" ؛ إيذانا بأن الكذب قاعدة مذهبهم؛ وأسه؛ فينبغي للمؤمن المصدق اجتنابه؛ لمنافاته لوصف الإيمان؛ انتهى؛ ويليه الخلف في الوعد؛ قال الغزالي: والخلف في الوعد قبيح؛ فإياك أن تعد بشيء إلا وتفي به؛ بل ينبغي أن يكون إحسانك للناس فعلا بلا قول؛ فإن اضطررت إلى الوعد فاحذر أن تخلف إلا لعجز؛ أو ضرورة؛ فإن ذلك من أمارات النفاق؛ وخبائث الأخلاق؛ و" الفجور" ؛ لغة: الميل؛ والشق؛ فهو هنا إما ميل عن القصد المستقيم؛ أو شق ستر الديانة؛ ولا تناقض بين قوله هنا: " أربع" ؛ وآنفا: " آية المنافق ثلاث" ؛ إذ قد يكون لشيء واحد علامات؛ كل منها يحصل بها صفته؛ فتارة يذكر بعضها؛ وأخرى أكثرها؛ وطورا كلها؛ قال النووي والقرطبي: حصل من مجموع الروايتين خمس خصال؛ لأنهما تواردتا على الكذب والخيانة؛ وزاد الأول: " خلف الوعد" ؛ والثاني: " الغدر والفجور في الخصومة" .

(حم ق 3؛ عن ابن عمرو ) ؛ ابن العاص؛ وظاهر صنيع المؤلف أنه لم يخرجه من الستة إلا هؤلاء؛ والأمر بخلافه؛ فقد رواه أبو داود والنسائي أيضا.

التالي السابق


الخدمات العلمية