صفحة جزء
94 - " اتبعوا العلماء؛ فإنهم سرج الدنيا؛ ومصابيح الآخرة " ؛ (فر)؛ عن أنس ؛ (ض).


(اتبعوا) ؛ بتقديم المثناة الفوقية؛ أمر بالاتباع؛ (العلماء) ؛ العاملين؛ يعني: اهتدوا بهديهم؛ واقتدوا بقولهم؛ وفعلهم؛ وما ذكر من أن الرواية: " اتبعوا" ؛ بعين مهملة؛ هو ما وقفت عليه في أصول قديمة من الفردوس؛ مصححة بخط الحافظ ابن حجر؛ ورأيت في نسخ من هذا الكتاب: " ابتغوا" ؛ بالغين المعجمة؛ وهو تصحيف من النساخ؛ (فإنهم سرج الدنيا) ؛ بضمتين؛ جمع " سراج" ؛ أي: يستضاء بهم من ظلمات الجهل؛ كما ينجلي ظلام الليل بالسراج المنير؛ يهتدى به فيه؛ فمن اقتدى بهم اهتدى بنورهم؛ قال الزمخشري : من المجاز " سرج الله وجهه" ؛ حسنه وبهجه؛ و" وجه مسرج" ؛ و" الشمس سراج النهار" ؛ و" الهدى سراج المؤمنين" ؛ و" محمد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - السراج الوهاج" ؛ انتهى.

وشبه العالم بالسراج؛ لأنه تقتبس منه الأنوار بسهولة؛ وتبقى فروعه بعده؛ وكذا العالم؛ ولأن البيت إذا كان فيه سراج لم يتجاسر اللص على دخوله؛ مخافة أن يفتضح؛ وكذا العلماء إذا كانوا بين الناس اهتدوا بهم إلى طلب الحق والسنة؛ وإزاحة ظلم الجهل والبدعة؛ ولأنه إذا كان في البيت سراج موضوع في كوة مسدودة بزجاجة؛ أضاء داخل البيت وخارجه؛ وكذا سراج العلم يضيء في القلب؛ وخارج القلب؛ حتى يرق نوره على الأذنين والعينين واللسان؛ فتظهر فنون الطاعات من هذه الأعضاء؛ ولأن البيت الذي فيه سراج؛ صاحبه مستأنس مسرور؛ فإذا طفئ استوحش؛ فكذا العلماء؛ ما داموا في الناس فهم مستأنسون مسرورون؛ فإذا ماتوا صار الناس في غم وحزن؛ فإن قلت: ما الحكمة في التشبيه بخصوص السراج؟ وما المناسبة التامة بينهما؟ قلت: المصباح تضره الرياح؛ والعلم يضره الوسواس والشبهات؛ والسراج لا يبقى بغير دهن؛ والعلم لا يبقى بغير توفيق؛ ولا بد للسراج من حافظ يتعهده؛ ولا بد لمصباح العلم من متعهد؛ وهو فضل الله؛ وهدايته؛ ولأن السراج يحتاج إلى سبعة أشياء: زناد؛ وحجر؛ وحراق؛ وكبريت؛ ومسرجة؛ وفتيلة؛ ودهن؛ فالعبد إذا طلب إيقاد سراج العلم؛ لا بد له من قدح زناد الفكر؛ قال الله (تعالى): والذين جاهدوا فينا لنهدينهم سبلنا ؛ وحجر التضرع؛ قال (تعالى): ادعوا ربكم تضرعا ؛ وإحراق النفس؛ بمنعها من شهواتها؛ قال (تعالى): ونهى النفس عن الهوى ؛ وكبريت الإنابة؛ قال الله - عز وجل -: وأنيبوا إلى ربكم ؛ ومسرجة الصبر: إن الله مع الصابرين ؛ وفتيلة الشكر؛ قال (تعالى): واشكروا لله ؛ ودهن الرضا بالقضاء؛ المشار إليه بقوله: واصبر لحكم ربك ؛ فإن قلت: لم لم يشبههم بالقمرين؛ والنجوم؛ مع أنها أرفع وأنور في المشارق؛ والمغارب؛ قلت: آثره عليها لأنها يحجبها الغمام؛ ونور العلم لا يحجبه سبع سماوات؛ والشمس تغيب ليلا؛ والقمر يختفي نهارا؛ والعلم لا يغيب ليلا؛ ولا نهارا؛ بل هو هو؛ وهو في الليل آكد؛ إن ناشئة الليل هي أشد وطئا وأقوم قيلا ؛ والقمران يفنيان؛ والعلم لا يفنى؛ والقمران ينكسفان؛ والعلم لا ينكسف؛ والقمران تارة يضران؛ وتارة ينفعان؛ والعلم ينفع؛ ولا يضر؛ بشرطه؛ والقمران في السماء زينة لأهل الأرض؛ والعلم في الأرض زينة لأهل السماء؛ وهما في الفوق؛ ويضيئان ما تحت؛ والعلم في قلب المؤمن وهو في التحت؛ ويضيء ما فوقه؛ وتحته؛ وبهما ينكشف وجود الخالق؛ وبالعلم ينكشف وجود الخالق؛ وضوؤهما يقع على الولي والعدو؛ والعلم ليس إلا للولي؛ وشعاع الكواكب إلى أسفل؛ وشعاع العلم يصعد إلى العلو؛ والكواكب تطلع من خزانة الفلك؛ والعلم يطلع من خزانة الملك؛ والكواكب علامة؛ والعلم كرامة؛ والكواكب موضع نظر المخلوقين؛ والعلم موضع نظر رب العالمين: " إن الله لا ينظر إلى صوركم؛ ولا إلى أقوالكم؛ ولكن ينظر إلى قلوبكم؛ وأعمالكم" ؛ الكواكب نفعها في الدنيا؛ والعلم نفعه في الدنيا؛ والآخرة؛ والشمس تسود الأشياء؛ والعلم يبيضها؛ والشمس تحرق؛ [ ص: 107 ] والعلم ينجي من الحرق؛ والقمر يبلي الثياب؛ والعلم يجدد المعارف لأولي الألباب؛ (ومصابيح الآخرة) ؛ جمع " مصباح" ؛ وهو السراج؛ فمغايرة التعبير مع اتحاد المعنى؛ للتفنن؛ وقد يدعى أن المصباح أعظم؛ فإن من السرج ما يضعف ضوؤه إذا قل سليطه؛ ودقت فتيلته؛ ومن كلامهم: " ثلاثة تضني: رسول بطيء؛ وسراج لا يضيء؛ ومائدة ينتظر لها من يجيء" ؛ وهذا على طريق المجاز؛ قال الزمخشري : من المجاز: " رأيت المصابيح تزهو في وجهه" ؛ وإنما كانوا كالمصابيح في الآخرة؛ لأن الناس يحتاجون إلى العلماء في الموقف للشفاعة؛ بل وبعد الدخول؛ كما يجيء في خبر؛ فينتفع بهم فيها؛ كما ينتفع بالمصابيح؛ ولذا يقال: إن ذات العالم تكسى نورا؛ يضيء كالمصباح حقيقة؛ ألا ترى أن هذه الأمة تدعى غرا محجلين من آثار الوضوء؟! فالعالم يتميز على آحاد المؤمنين بأن تصير جثته كلها مضيئة؛ وأشار بالترغيب في اتباع العلماء إلى الترهيب من مصادقة الجهلاء؛ وفيه دليل على شرف العلم؛ وإنافة محله؛ وتقدم حملته وأهله؛ وأن نعمة العلم من أفخر النعم؛ وأجزل القسم؛ وأن من أوتيه فقد أوتي خيرا كثيرا؛ إن صحبه عمل؛ وإلا فقد ضل سعي صاحبه وبطل.

(فر؛ عن أنس ) ؛ ابن مالك ؛ وفيه القاسم بن إبراهيم الملطي؛ قال الذهبي : قال الدارقطني : كذاب؛ وأقره ابن حجر؛ وجزم المؤلف في زيادات الموضوعات بوضعه؛ فإيراده له هنا إخلال بشرطه.

التالي السابق


الخدمات العلمية