صفحة جزء
958 - " أريت ما تلقى أمتي من بعدي؛ وسفك بعضهم دماء بعض؛ وكان ذلك سابقا من الله؛ كما سبق في الأمم قبلهم؛ فسألته أن يوليني شفاعة فيهم يوم القيامة؛ ففعل " ؛ (حم طس ك) ؛ عن أم حبيبة ؛ (صح).


(أريت) ؛ بالبناء للمفعول؛ بضبط المصنف؛ من " الرؤيا" ؛ العلمية؛ لا البصرية؛ لما يجيء؛ ونكتة حذف الفاعل هنا: التعظيم؛ (ما تلقى أمتي من بعدي) ؛ أي: أطلعني الله بالوحي؛ أو بالعرض التمثيلي؛ على ما ينوبها من نوائب؛ ونواكب؛ وحذف كيفية الأداة؛ لتذهب النفس كل مذهب ممكن؛ والتقييد بالظرف لا مفهوم له؛ فإنه عرضت عليه أمته وما تلقاه في حياته؛ وبعد وفاته؛ لكن لما كان المقصود الإعلام بوقوع الفتن والقتال بينهم بعده؛ وأنه مع ذلك شافع مشفع فيهم؛ ذكر البعدية؛ (وسفك بعضهم) ؛ مصدر مضاف لفاعله؛ أي: أراني ما وقع بينهم من الفتن والحروب؛ حتى أهرق بعضهم؛ (دماء بعض) ؛ أي: قتل بعضهم بعضا؛ (وكان ذلك سابقا من الله) - تعالى - في الأزل؛ (كما سبق في الأمم قبلهم) ؛ أي: من أن كل نبي تعرض عليه أمته؛ أو من أن سفك بعضهم دم بعض سبق به قضاؤه؛ كما وقع لمن قبلهم؛ (فسألته أن يوليني) ؛ بفتح الواو؛ وشد اللام؛ أو سكون الواو؛ من " الولاية" ؛ (شفاعة فيهم يوم القيامة) ؛ ليفوز بخلاصهم مما أرهقهم عسرا؛ وعراهم من الشدائد نكرا؛ (ففعل) ؛ أي: أعطاني ما سألته؛ وتنكير " شفاعة" ؛ للتعظيم؛ أي: شفاعة عظيمة؛ قال بعض المحققين: وهذه الرؤيا ليست بصرية؛ بل قلبية؛ كشفية؛ لأن علم الأنبياء مستمد من علم الحق - تقدس -؛ وكما أن علمه - سبحانه - لا يختلف بحسب اختلاف النسب الزمانية؛ فكذا علم النبيين؛ بل الزمان تابع لعلم الله؛ وتعلقه بالماضي؛ والمستقبل؛ والحاضر؛ من جهة الكشف؛ واحد؛ وإنما يختلف بهذه الاختلافات العلم المحدث؛ ولما كان علم المصطفى - صلى الله عليه وآله وسلم - ومكاشفاته من ذلك القبيل؛ اندرجت له الأكوان والمسافات والأزمان والجهات في بعض الأوقات؛ حتى رأى أمته الحادثين بعده؛ وما وقع منهم من الحروب والخطوب؛ ورأى الجنة؛ والنار؛ مثلين؛ رأي العين؛ في عرض الحائط؛ إشعارا بقرب الأمر؛ وإيناسا لمن قصر فهمه عن درك علوم المكاشفات والتجليات؛ ذكره في المطامح.

(حم طس ك) ؛ عن أبي اليماني؛ عن شعيب؛ عن الزهري ؛ عن أنس ؛ (عن أم حبيبة ) ؛ زوجة المصطفى - صلى الله عليه وسلم - بنت شيخ قريش؛ وحبيبها عظيمها؛ أبي سفيان بن حرب ؛ الأموية؛ رملة؛ ماتت سنة أربع وأربعين؛ قال الحاكم : على شرطهما؛ والعلة عندهما فيه أن أبا اليماني رواه مرة عن شعيب؛ ومرة عن غيره؛ ولا ينكر أن يكون الحديث عند إمام عن شيخين؛ أهـ؛ وقال الهيتمي: رجال أحمد والطبراني ؛ رجال الصحيح؛ أهـ؛ فرمز المصنف لصحته متجه.

التالي السابق


الخدمات العلمية